أسدل الستار يوم الأحد الماضي على الفصل الأول من مسرحية الانتقال الديمقراطي، وقد كان فصلا جميلا، وباعثا على الأمل صفق له الناس في الداخل والخارج، ولكن ينبغي ألا ننسى أنه الفصل الأول، ولا يتم الانبهار بالمسرحية إلا إذا حافظت فصولها على مستوى الفصل الأول، وكان الفصل الأخير بصفة خاصة رائعا ليقف الناس مصفقين إعجابا بالمسرحية كلها. قد يستغرب بعض القراء من مقارنة الانتقال الديمقراطي بمسرحية ذات فصول، إنها مقارنة تشبيهية، ولكن إذا أمعنا النظر فسنجدها تنطبق تمام الانطباق. المسرحية فيها التشويق والمفاجئة، وفيها صعود الممثلين فوق الخشبة ونزولهم، فيها حضور وجوه، وغياب أخرى، ومن أبرز سمات المسرح هو حكم الجمهور على نجاح المسرحية، أوفشلها. ينتظر التونسيون الفصول القادمة، إذ أن نجاح الفصل الأول مرتبط بالفصول الأخرى، وبخاصة بالفصل الختامي. نأمل ألا تسيطر نخوة الفوز على الناجحين في الفصل الأول، وأن يستعدوا لأداء الفصول القادمة بكل جدية وروح وطنية، وأن يضعوا نصب أعينهم أن الجمهور الذي صفق في نهاية الفصل الأول قد يصفر، ويغادر القاعة في الفصول التالية. ينقسم عادة الجمهور المتفرج على مسرحية ما إلى فئتين: فئة تنبهر بالتمثيل، وقد يبلغ انبهارها حد التهريج. وفئة ثانية تركز على محتوى الحوار، وتحاول أن تعي الرسالة التي يحاول النص تبليغها، فالمسرحية التي ليس لها رسالة هادفة هي مسرحية فاشلة، مهما كان التمثيل جيدا، ومهما حذق الممثلون أدوارهم. الأساسي إذن في المسرحية التي شاهدنا فصلها الأول نهاية الأسبوع الماضي هومدى قدرة أصحابها على تحقيق الهدف النبيل، وقد حلم به الشعب طيلة عقود من الزمن، هدف تأسيس مجتمع ديمقراطي حداثي يقطع مع سلبيات الماضي، ويحقق للبلاد مكاسب جديدة تمكنها مع الزمن من اللحاق بركب الشعوب المتطورة، ويكون الانطلاق من بعث مؤسسات دستورية حقيقية تمثل حصنا حصينا للدولة والمجتمع، ولا بد للقوى السياسية الجديدة أن تدرك جيدا أن جميع التجارب الحديثة قد برهنت بوضوح أنه لا تقدم، ولا ديمقراطية بدون دولة قوية عادلة تذود عنها القوى السياسية على اختلاف رؤاها، وتنوع نزعاتها، فالوصول إلى السلطة أسهل بكثير من ممارستها، وينبغي أن تدرك أيضا أن سقوط الدولة يؤدي حتما إلى سقوط المجتمع، وما بعد العيان من بيان. كان عنوان هذا الركن قبل أسبوعين «الوطن أولا»، وليصبح هذا العنوان بعد الانتخابات «الوطن أولا وأخيرا».