الّذين يتعمدون اليوم أو يسعون لإعادة خلط الأوراق السياسيّة والحزبيّة في محاولة لاستنبات وضع أو أوضاع جديدة لا تُعبّد الطريق إلاّ إلى الفوضى والتخريب والعنف، هؤلاء يخطئون الطريق ويُجانبون مناحي الصواب. سياسيّا، لا يُمكن اعتبار أحداث التوتّر الحاصلة هنا وهناك بمعزل عن المعطى السياسي الوطني والذي يتميّز هذه الفترة بمباشرة المجلس الوطني لأشغاله وباستعداد ثالوث الحكم الجديد لاستلام السلطة وحيث من المنتظر أن تتشكّل صورة جديدة للسلطة التنفيذيّة والحياة السياسيّة في البلاد فيها القطع مع الماضي والتأسيس للمُغاير الديمقراطي والتعدّدي. تونس برغم ما حصل على درب الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ما تزال تحيا بين الفينة والأخرى على وقع «كوابيس العنف والصدام»، ممّا يجعلُ من اللحظة الراهنة لحظة صعبة جدّا وفيها الكثير من التعقيد والتداخل. وربّما وحتّى تنكشف كلّ الخيوط التي تقف وراء ما يجري من أحداث وتطوّرات فإنّ كلّ الأطراف السياسيّة، ومهما كان موقعها في الحكم أو في المعارضة ومهما كانت مرجعياتها الإيديولوجيّة أو الفكريّة، مدعوّة إلى تبيان موقفها والتنديد بكلّ مظاهر العنف المادي واللفظي على حدّ السواء والوقوف صفّا واحدا من أجل حماية السلوك المدني والحضاري في التعبير عن المواقف والاحتجاج بطرق سلميّة والانتصار إلى روح التعايش بين الجميع. كما أنّ الحكومة والمؤسّسة الأمنيّة والقضائيّة مُطالبة بنزع كلّ الطلاسم و»الكوابيس» التي أصبحت تحوّط حياة الناس وذلك بكشف المتورطين في أحداث العنف وبيان حقيقة ما يدور هنا وهناك وعرض كلّ ذلك بجلاء للرأي العام. إنّ قدرا كبيرا من الجرأة والوضوح والشفافيّة وكذلك من «المسؤوليّة» مطلوب اليوم لوضع النقاط على الحروف وإيقاف «النزيف» وإبعاد كوابيس العنف والصدام وفتح الطريق لحلم التعايش المدني والحضاري بين كلّ التونسيين والتونسيات دون استفزاز ولا توتّر وبكامل الاحترام والمحبّة والألفة خدمة لحاضر تونس ومستقبل أجيالها القادمة.