يتداول قطاع واسع من الرأي العام حديث عما يجري داخل «قبّة التأسيسي» في علاقة بمناقشة فصول مشروع القانون المنظّم للسلطات العموميّة خلال الفترة المقبلة، ويتراوح ذلك الحديث بين الارتياح لطبيعة الحوار الدائر بين ممثلي الشعب من مختلف الأطياف السياسيّة وبين شعور بتعطيل متعمّد للمصادقة على النص النهائي الّذي سيسمح بانتخاب رئيس للجمهوريّة ومن ثمّ تعيين رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة الجديدة. ووسط ذلك التباين في التقييم اجتاحت جلسات المجلس الوطني التأسيسي العديد من التجاذبات والاختلافات منها الخطير جدّا عندما «تراشقت» الأطراف السياسيّة بتهم متعلّقة خاصة بطبيعة ما تشهدهُ الساحة الوطنية من العديد من الأحداث والتطوّرات المتعلقة بالاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات. وبرغم العديد من القراءات التي تذهب إلى وجود صراع خفي حقيقي بين «قوى الأغلبيّة» و«قوى المعارضة» في محاولة للتأثير على طبيعة مجريات المرحلة المقبلة التي ستشهد كتابة الدستور الجديد ومن ثمّ انجاز انتخابات جديدة، ليكون السؤال الأهم في مثل هذه المحطة: هل يكون للتأخير في المصادقة على مشروع القانون المشار إليه تأثرات بالغة على حالة التطلّع الكبيرة التي عرفتها قطاعات واسعة من المجتمع غداة ثورة 14 جانفي وانتخابات 23 أكتوبر الفارط في اتجاه تكريس دولة ديمقراطية ومجتمع حر وتجسيد تحسن ملموس في الظروف المعيشيّة خاصة للعاطلين عن العمل ومتساكني الأحياء الشعبيّة والأرياف والمناطق النائية. إنّها مرحلة على غاية من الدقّة ، وإن كانت كلّ الدلائل تؤشّر للقطع مع المنظومة السياسية الفرديّة والفوقيّة لصالح منظمة جديدة فيها الاختلاف والتباين والتعدّد –مثلما هو واضح في المجلس التأسيسي وفي الإعلام الوطني وفي مختلف مناشط المجتمع المدني والسياسي- فإنّ الواقع يدلّ كذلك على أنّ الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة تزداد صعوبة من يوم إلى آخر خاصة بعد أن تعطّلت العديد من أجهزة الدولة عن القيام بمهماتها بعد استقالة حكومة السيّد الباجي قائد السبسي وتعثّر عملية تشكيل السلطة الجديدة. بين المأمول والمنشود من جهة، والواقع المعاش على الميدان من جهة ثانية ينتظر التونسيون جميعا ساعة الانفراج وعودة عجلة الحياة إلى دورانها المعتاد بفتح الملفات العالقة والانكباب على المشاغل الحقيقيّة للمواطن وبثّ أنفاس جديدة للطمأنينة والأريحيّة والثقة لدى كلّ الناس بما يؤمّن البدء في تفعيل برامج الانتقال الديمقراطي والتي على رأسها فض ملفي البطالة و شهداء وجرحى الثورة ومعالجة قضايا العدالة الانتقاليّة والمصالحة وتحفيز رجال الأعمال والمستثمرين في الداخل والخارج على الاستثمار وبعث المشاريع وتنشيط الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. صحيح، أنّ العديدين يرون بأنّ مسار الانتقال الديمقراطي يسير ببطء ، ولكن من المؤكّد أن مُبادرة الأطراف السياسيّة سواء منها الموجودة في الحكم أو في المعارضة إلى تطمين الناس وبث رسائل واضحة في الشراكة والعمل الجماعي والتخلّي النهائي عن كلّ السلوكات المشينة من قبيل «شيطنة المخالف وعدم القبول برأيه» أو تعمّد توتير الأوضاع الاجتماعيّة وشحنها بنعرات إيديولوجيّة أو ما شابهها من مطلبيّة مشطّة وغير معقولة، من المؤكّد أنّ مثل تلك المبادرة ستنعكسُ إيجابيّا على انتظارات الناس وتطلعاتهم وستمكّنهم من انتظار الانطلاقة التي طال صبرهم عليها. كلّما اقترب السياسيّون إلى بعضهم البعض وكلّما شعر الناس بأنّ هؤلاء الفاعلين لا همّ لهم غير خدمة البلاد والاضطلاع بمسؤولياتهم على أحسن وجه كلّما زادت ثقة الناس بثورتهم وتضاعف إيمانهم بأنّ المستقبل سيكون أفضل، وكلّما حدث العكس حدث العكس سيان في ذلك ان تعطّلت مناقشات التأسيسي أو تمّ استعجالها.