وصول السيد المنصف المرزوقي إلى دفّة الرئاسة، عن طريق الإقتراع، يعد لحظة فارقة في حياة تونس السياسية. وإن كانت المدة الرئاسية التي انتخب من أجلها السيد المرزوقي، تدخل في خانة «المؤقتة» على إعتبار أنها الفترة الضرورية لكتابة دستور جديد للبلاد، فإن الثابت أن الرئيس التونسي الجديد ،دلف قصر الرئاسة عن طريق صندوق الانتخاب الشفاف، وهذه لحظة مفصليّة في تاريخ تونس الحديث. صعود السيد المنصف المرزوقي إلى أعلى هرم السلطة، وبهذه الطريقة الديمقراطية التي كان فيها الصندوق فيصلا، تعدّ خطوة إلى الأمام، وقطعا مع عادات قديمة في الوصول إلى رأس السلطة في بلادنا. الشعب التونسي وهو يحتج على الظلم والإقصاء ويثور على الدكتاتورية والاستغلال كان لا يخفي تخوفه من مآل السلطة، وكيف سيكون التغيير هذه المدة....ذلك أننا تعودنا ، على أساليب للوصول إلى السلطة تتراوح بين الإنقلاب الدستوري، كما فعل بورقيبة إبان الأشغال الأخيرة «للمجلس القومي الدستوري» سنة 1959 وبين الإنقلاب عبر شهادة طبية كما فعل ذلك بن علي في نوفمبر 1987 إضافة إلى الانقلاب بواسطة ظهر دبابة، الذي دأبت عليه نظم إفريقية وعربية، قد جنبنا إياها القدر. رئيس شرقي عربي، وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في بداية ستينات القرن الماضي، قال ما يشبه النظرية : «دخلت القصر (الجمهوري) على ظهر دبابة ولن تخرجني منه إلا دبابة» . هذا ما كان يبعث التوجس والريبة والخوف في نفوس التونسيين، خاصة عندما تأزمت الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلادنا قبيل 14 جانفي 2011 وبعده. اللحظة الفارقة أيضا في تاريخ البلاد، هي أنه ولأول مرة في تونس وفي الوطن العربي وإفريقيا، تقريبا (إذا استثنينا الرئيس السوداني الأسبق سوار الذهب).تتم عملية تسليم الرئاسة من رئيس متخلي إلى رئيس منتخب. ما حدث في تونس أمس وأمس الأول، هو خطوة إلى الأمام خطوة قبض فيها الشعب التونسي على منوال جديدة في الوصول إلى السلطة، إسمه التداول عبر صندوق الانتخابات. صحيح أن السيد المنصف المرزوقي ولج قصر الرئاسة بقرطاج أمس، عن طريق الناخبين المنتخبين في المجلس التأسيسي وهذا راجع لطبيعة المرحلة الانتقالية، لكن الثابت والذي لا يدع مجالا للشك، أنه وصل الرئاسة عن طريق الإقتراع، حتى وإن لم يكن مباشرا أو لفترة عادية. ذلك أنها خطوة إلى الأمام على كل حال ولدتها الثورة التي فجرها أبناء تونس بصدورهم العارية وعزيمتهم القوية. المهم في كل ما حدث من لحظات فارقة ولحظات محددة لتاريخ تونس، هو أن الصندوق الانتخابي، أضحى هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة وفي هذا كل الفرق بين تاريخنا السياسي ومستقبلنا السياسي الثقافي.