ما أيسر الانتقال الديمقراطي وما أجمل التداول على السلطة, هكذا قال الكثيرون,وهم يتابعون عبر التلفزة موكب تسليم السلطة بين الحكومتين في جو من التحابب والأريحية الذي يعكس حرصا على خدمة البلاد من كل المواقع. هذه الصورة على جمالها ودلالاتها العميقة, التي يمكن تسويقها إلى الخارج للتأكيد على نجاح التحول الديمقراطي والتوفق في تركيز مؤسسات وهياكل منتخبة, تبدو ضعيفة التأثير لدى عموم التونسيين الذين مازالت تتملكهم حيرة تصل حدود الخشية على مستقبل البلاد, وهم يرون اقتصادهم يتدهور والإنتاج ينخفض بفعل الاعتصامات والإضرابات ومنع حرية العمل في عديد المؤسسات .... وما من عاقل يعلي الصوت محذرا من الخطر ومهددا من التداعيات الخطيرة لهذه الأفعال المعرقلة للتنمية ولأهداف الثورة والمتنكرة لتضحيات شهداء الثورة وجرحاها الذين واجهوا آلات القمع والقتل بصدور عارية, من أجل غد أفضل وتنمية عادلة. وحتى التصريحات الأولى للحكومة الجديدة لم تشف الغليل ولم تجب عن الأسئلة الحارقة, وهي كيف نفك هذه الإضرابات العشوائية والاعتصامات التي توقف جهاز الإنتاج, وبالتالي كيف نطبق القانون على المخالفين وكيف نحمي الحريات الفردية والعامة؟ هذه الموضوع يستحق حوارا وطنيا تشارك فيه كل القوى من أحزاب في السلطة والمعارضة, ومنظمات الأعراف والشغالين, على تعددها, وأيضا الجمعيات الحقوقية والإنسانية, وكذلك الإعلام الوطني, على أن يكون هذا الحوار شفافا وواضحا ويؤدي إلى دعم حقوق الإضراب والاعتصام والتظاهر, ويجرم كل مخالف للقانون والأعراف وكل ممارسة, فردية أو جماعية, تحرض أوتدفع أو تؤدي إلى تعطيل العمل وقطع الطرقات أو الإضرار بالأملاك العامة أو الخاصة, مهما كانت الدوافع والأسباب التي أدت إلى ارتكاب هذه الأفعال. إن صمت الحكومتين السابقتين اللتين كانتا تفتقدان الشرعية لا يمكن أن يبرر تواصل هذه الأشكال الاحتجاجية الخاطئة بعد استعادة هيبة الدولة وقيام مؤسسات وهياكل تتمتع بالشرعية القانونية والانتخابية, وعلى كل طرف تحمل مسؤولياته, مهما كان موقعه أو انتماؤه, لأن كل عمل, سواء كان ايجابيا أوسلبيا ,سيستهدف تونس كدولة وبلد, وليس الفريق الحكومي، الذي سيذهب , مهما طالت فترة حكمه, لتبقى تونس شامخة متطورة وصاحبة قرارها .