لم تهدأ النقاشات في الموقع الاجتماعي حول وضع الاعلام بعد الحركة الاحتجاجية التي نظمها الصحفيون أول أمس أمام مقر الحكومة، بل ظهرت نقاشات واسعة وأحيانا معارك حقيقية بين شعاري «استقلالية الاعلام» من جهة و«تطهير الاعلام» من جهة أخرى. وفي خضم هذه النقاشات التي لا تتوقف، تبدو مسألة التعيينات الأخيرة التي أقدمت عليها الحكومة في القطاع العمومي، مجرد شجرة تخفي الغابة، أي وراءها كم هائل من المشاكل التي يعيشها قطاع الاعلام بعد الثورة، ولم تجد طريقها الى الحل ولا حتى للنقاش. وازاء استمرار هذا الوضع، يصبح الموقع الاجتماعي فضاء مفتوحا للنقاش حول وضع الاعلام كذلك لتبادل الشتائم ونشر ما يسمى «قوائم العار في الاعلام»، كما نشهد حملات ضارية على عدة مؤسسات اعلامية عمومية وخاصة تحت مسميات «الاعلام البنفسجي» أو «مليشيات نظام بن علي» اعتمادا على استمرار العديد من الوجوه التي خدمت النظام السابق في العمل وقيادة عدة مصالح اعلامية وترؤس مؤسسات وطنية وخاصة. وبعيدا عن الشتائم والهجومات الشخصية التي تملأ الصفحات التونسية ضد العديد من الأسماء والمؤسسات، فان ناشطين كثيرين يقدمون معطيات مقنعة جدا في صفحاتهم حول استمرار بعض الأشخاص الذين عرفوا بالفساد المهني والأخلاقي في شغل مناصب حساسة في الاعلام، ولا يجد هؤلاء الناشطون أية صعوبة في العثور على مئات المقالات ومقاطع الفيديو التي تؤكد تورطهم في شتم المعارضة أو مدح النظام. وتمثل شبكة الانترنيت بمختلف مكوناتها كنزا لا ينفد من المعلومات القديمة حول ما نشر في تونس منذ أكثر من عشر سنوات. وهكذا نعثر على العديد من الصفحات التونسية المتخصصة في البحث عن مثل هذه الوثائق كلما صدر قرار بتعيين مسؤول في الاعلام، حيث يسهل النبش في تاريخه المهني غير البعيد للتدليل على أن الدولة في مختلف أجهزتها ما تزال تعول على «كفاءات بن علي». وفي هذا المجال كتب زميل معروف بنشاطه الحقوقي قبل الثورة: «من مفارقات الوقفة الاحتجاجية للصحافيين أنها تمّت بناء على تعيين الحكومة لصحفيين معروف عنهم مساندتهم وولاءهم المطلق للنظام السابق، ولكن هذه الوقفة ضمّت أيضا فيما ضمّت بعض الصحفيين المناشدين !!! (أقولها وأمضي)». وفي هذا الاطار أيضا، تحولت الوقفة الاحتجاجية التي شارك فيها عدد كبير من الاعلاميين أمام مقر الحكومة الى موضوع للسخرية من القطاع ككل، بنشر صور لأشخاص عرفوا طويلا بمساهمتهم في اخضاع الاعلام الوطني ومحاربة أي نفس حرية في تونس. وتم تبادل صور هؤلاء الأشخاص المشاركين في الوقفة الاحتجاجية مع تعاليق ساخرة فكتب ناشط حقوقي: «لقد هرموا من أجل هذه اللحظة التاريخية إلّي باش «يغسلوا فيها ساقيهم ويديهم» و«صحة ليهم الحكومة تصب لهم الماء». كما شن عدة ناشطين حقوقيين من اتجاهات سياسية مختلفة حملات ضارية على قطاع الاعلام بحجة أنه «لم يرتق الى مستوى دماء الشهداء وتطلعات الشعب التونسي»، فيما يكتب ناشط قومي معروف: «للأسف الشديد، مازلنا بحاجة الى القنوات الأجنبية لنعرف حقيقة ما يجري في بلادنا»، فيثير موقفه ذاك حفيظة صحفي من القناة الوطنية فيكتب تعليقا: «يجب أن تتذكر أن أبرز صحفيي القنوات الأجنبية التي تتحدث عنها هم تونسيون، وأن الأغلبية المطلقة من مراسلي القنوات الأجنبية هم صحفيون تونسيون أيضا». تكتب ناشطة حقوقية شابة: «إذن، لماذا يفلح الصحفي التونسي في الخارج ويفشل في بلاده، ولماذا يغلب على البلاد اعلام بودورو؟» وفي هذا المستوى، سوف نجنّب السادة القراء نشر العبارات الحادة والشتائم التي تنشر يوميا في الصفحات التونسية كلما تعلق الأمر بالاعلام الوطني.