احتضن فضاء دار سيدي جلول بنزرت فعاليات ندوة فكرية قدمها الوجه الحقوقي والإعلامي «زهير مخلوف» تم التوقف في ضوئها على مستويات الإهمال الطبي وتورط أطباء بمراكز الإيقاف والسجون. يأتي ذلك من خلال المشاركة في جريمة التعذيب و الصمت إزاء الاعتداءات الجسدية التي طالت عددا من ا لمساجين السياسيين في تونس خاصة خلال التسعينات من القرن الماضي ومنها قضية الضحية الشاب فيصل بركات الذي وفاه الأجل تحت التعذيب في سن 25 عاما دون الاستجابة الى مطلب استخراج «الرفاة» الى حد الساعة لبيان الأسباب الحقيقية للوفاة والتي حاول طمس معالمها على حد قول المحاضر بتواطؤ طبي موثق رغم تقرير محكمة الجنايات الدولية في جونيف عام 1996 والتعلّل بحدوث كسور بليغة في مستوى العمود الفقري .... وكان النقاش من الفقرات التي شهدت تقديم شهادات حية من قبل عدد من الحقوقيين والمساجين السياسيين مع تدخل عدد من الأطباء في محاولة لبسط طبيعة العمل بمراكز الاعتقال في تونس على اعتبار انتفاء التكوين وذلك وسط محاولات تبرئة ساحة الأطباء الشرفاء منهم و التمسك بأخلاقيات المهنة ولاسيما في فضاءات أقسام ألاستعجالي اضافة الى رفع التوصيات ازاء مراجعة مرسوم الباجي قايد السبسي عدد 116 المتعلق بسقوط مثل هذه الجرائم بالتقادم والتساؤل في ذات السياق عن دور عمادة الأطباء والأطراف الحقوقية والمدنية من مسألة تحقيق العدالة الانتقالية مابعد ثورة الحرية والكرامة. وفي مستهل هذا اللقاء الذي شهد حضورا ملفتا لعدد من الوجوه الحقوقية والقانونية ومساجين سياسيين سابقين بالجهة ومنها العم «علي بن سالم» وعلي النفاتي ووسط احتشام الحضور الإعلامي توقف الأستاذ « حبيب عمارة» كاتب عام منظمة حرية وإنصاف فرع بنزرت عند ما اسماه المفارقة التي يطرحها مثل هذا الإشكال ولاسيما من منظور ان الأخلاقيات الأولية والبسيطة التي تحدد طبيعة العمل الطبي بصرف النظر عن هوية المريض تتمثل أساسا في الحماية من الأذى و الظلم . وكان السيد «زهير مخلوف» عضو منظمة حرية وإنصاف و مؤسسة السجين السياسي سابقا والذي عانى كثيرا من هرسلة نظام بن علي قد استند في معالجة الظاهرة الى النتائج لتقريرين رصدهما في الغرض وهما تقرير ديسمبر عام 2007 في 18 صفحة حيث تم تدارس 100 حالة من الحالات التي تعرضت إلى الإهمال الطبي ولاسيما في صفوف المساجين السياسيين بتونس . وكذلك تقرير نوفمبر 2007 الذي مثل بمثابة حصاد 20سنة من «الانقلاب الأبيض» الذي صدم السلطة بعد نشر تفاصيله على المواقع الالكترونية لرصده 9 من حالات الوفاة نتيجة الإهمال الصحي من بينها وضعيات الهاشمي المكي والشاذلي بن حريز وسحنون الجوهري. أين شهادة التعذيب المراقبة الإدارية وعدم التمكين من وثايق الهوية احدى المسائل التي اثارها الحقوقي السيد زهير مخلوف التي حرمت بدورها السجين من حق العلاج و الانخراط في المنظومات الصحية سواء منها بالصندوق القومي للضمان الاجتماعي او الصندوق الوطني للتقاعد ومنها مثال حال احمد البوعزيزي الذي اصيب بالسرطان وتعرض لمثل هذا الصنف من الإهمال بعد ان حرم من بطاقة تعريف وطنية لمدة ستة اشهر لتسهيل التمتع بالعلاج .. كما من الوجوه السبعة التي حددها المحاضر للانتهاكات الحقوقية في هذا المجال والتي تعرض لاول مرة على الرأي العام الوطني بعيدا عن منطق البطولة وخدمة لمسار العدالة الانتقالية في تونس مابعد الثورة مباشرة حصص التعذيب و استعمال الأطباء في كل من السجون ومراكز الايقاف اسلوب التواطؤ في التعذيب بالإشارة ومن ثمة تقديم النصح للجلاد . ومن الحالات المسجلة هنا بتاريخ اكتوبر 1991 وفاة رجيب الشماخي. وفي تطرقه للوضعيات المرصودة واستنادا الى حد ماذهب اليه من جمع 90 شهادة مصورة ومؤكدة إضافة الى شهادات ميدانية ومعاينات على ارض الواقع توقف المتحدث عند التلاعب الطبي وأسلوب المغالطة التي انتهجهما كل من الطبيبين «منصف حمدون وعبد العزيز غشام ازاء التقرير الخاص بحقيقة وفاة الضحية فيصل بركات في 8 اكتوبر عام 1991 بالإيقاف عن سن 25 عاما والتي تجاوزت بتواطؤ طبي واضح أسباب الوفاة تحت التعذيب وفقا لما كانت قد ذهبت اليه المحكمة الدولية عام 1996 واعتبار ان الوفاة طبيعية وان الضحية تعرض في فترة لاحقة الى كسور بليغة في أسفل الظهر وذلك في محاولة لتمرير التقرير المضاد للحقائق مضيفا ان قضية استخراج الرفاة المنشورة تحت عدد 27-2-27 اواخر التسعينات ما تزال في الانتظار إلى حد الساعة .... المسؤولية الجزائية .... وبعد نقل السجين المعذب الى فضاءات الاستشفاء من المؤشرات الأخرى التي توقف عندها المحاضر الذي قضى قرابة العامين سجنا ولكسور إزاء التعذيب بمركز حرس نابل ولم يتلق في الاثناء موافقة للحصول على ملفه الطبي في الغرض والتي على حد قوله تؤكد تورط الطرف الطبي في مباشرة التعذيب وإن الصمت إزاء هذه القضايا يجعل من الأطباء يتحملون مسؤولية جزائية خاصة بفضاء السجن ومن بين الأطباء من باشر منهم بسجن برج الرومي ببنزرت وذلك بعد التكفل بإسداء شهادات مزورة عن عوامل الوفاة منها حالة وفاة المولدي بن عمر في 1992 التي وصفت رغم تعرضه للتعذيب طبيعية كذلك رشيد الشماخي الذي توفي حسب ما ادلى به الأطباء مغالطة من شهادة في الإصابة بمرض مايعرف بالبوصفير. ومن المعاملات الطبية التي تحتاج تدخلا من المنظمات الحقوقية بفضاء السجن حسب الأستاذ زهير مخلوف والتي ما تزال واقعة الى حد الآن مراقبة مدى جدية فحصه بحسب مايحتاجه من رعاية بعيدا عن منطق «النكالة « والتي ابرزت هنا عدم توافق بين نوع و حدة المرض وسقف الرعاية المسداة ومنها وضعية الهاشمي المكي من مجموع 13 حالة مرصودة تعرضت لهذا الصنف من الإهمال وأخرها عام 2010 للنزيل إسماعيل السحيري الذي عانى من مرض السل و إضافة الى اخلالات أخرى تم رصدها على غرار تغيب الإطار الطبي . العدالة الانتقالية مابعد الثورة رهان تحقيق العدالة الانتقالية في تونس من كبرى المحاور التي استقطبت مداخلات ابرز من طلب الكلمة سواء من رجال القانون او السجناء السياسيين و الحقوقيين وذلك بمعزل عن اصلاح القضاء و محاكمة الجلادين بل بفتح كبرى الملفات في تونس وتطهير القطاعات ومنها الطب وذلك مع مطلب المحاكمة العادلة للأطباء ممن ثبت تورطهم في مثل هذه الجرائم والتجاوزات التي تطال من حرمة وكرامة وإنسانية الأفراد في تونس. كما كان النقاش مشفوعا بشهادات حية لسجناء سياسيين على غرار السيد علي النفاتي ومن أبرز التوصيات مراجعة المرسوم عدد116 بتاريخ 22 أكتوبر 2011 الذي حدد سقف الجريمة ب15 عاما والالتزام بما جاء بالفصل السابع من القانون التونسي على ان لاتسقط مثل هذه الجريمة بالتقادم مع سعي المنظمات الفاعلة ولاسيما الحقوقية منها إلى تفعيل المرسوم عدد 52 لعام 2001 والمنقح في سنة 2008 تحت رقم 58 المتعلق بالمعالجة المجانية للمساجين وتفعيل الخدمات بالنسبة لهؤلاء بالمؤسسات الاستشفائية مع مراجعة قانون السجون وتأهيل الأعوان مع المساءلة و المحاسبة و المحاكمة العادلة لكل من ساهم أو زيف شهادات طبية أو تقارير تشريح. مع تمكين شهادات طبية لكل من يطلبها خدمة لحقائق التعذيب الذي يطال السجين وفقا لأخلاقيات مهنة الطب والاعتذار العلني لمن عذبوا وخروج في عمادة الأطباء عن صمتها واتخاذ مواقف جادة إزاء مثل هذه التجاوزات الخطيرة. في قضية الحقوقي خالد بوجمعة من المواضيع الأخرى التي ألقت بظلالها في اللقاء الدعوى التي كان قد رفعها طبيب وثلاث مديرين سابقين بالمستشفى الجهوي ببنزرت بعيد نشر الناشط الحقوقي خالد بوجمعة مقالا صحفيا بجريدة بخصوص وضعيات وحقائق كان قد رفعها متضررون تتعلق بانتهاكات حقوق الحرمة الجسدية في مستشفيات بنزرت خلال العشرية الفارطة لمنظمة حرية وإنصاف فرع بنزرت التي يرأسها حاليا. وقد حملت القضية المرفوعة ضده اتهام بثلب موظف عمومي والتي من المرتقب مواصلة النظر فيها بمحكمة بنزرت الابتدائية بتاريخ 24 من الشهر الجاري.