ما رأيه في الأوضاع العامة بالبلاد؟ وكيف تنظر الحكومة الى التطورات المتسارعة؟ وما هو الوضع الصحي في البلاد؟... وغيرها من الأسئلة يجيب عنها الدكتور عبد اللطيف المكي وزير الصحة في هذا الحديث. ورثنا وضعا صعبا جدا في القطاع الصحي خاصة فيما يتعلّق بالمؤسسات الصحية العمومية من حيث التجهيزات والاطار البشري... الخ. هذا ما استهل به السيد عبد اللطيف المكّي وزير الصحة العمومية حديثه ل «الشروق» الذي كان مناسبة للتعرّف على جديد الوضع الصحي ببلادنا في أغلب جزئياته وأيضا مناسبة للخروج بالوزير من ممثل لوزارة (الصحة) الى ممثل لحكومة (الانتقالية) ثم الى ممثل لحزب (حركة النهضة) دون أن نسهى عن العودة الى الوراء وتحديدا الى الفترة التي كان فيها أمينا عاما للاتحاد العام التونسي للطلبة وهي فترة النضال التي كلّفته 10 سنوات من السجن. وصفتم الوضع الصحي بالصعب في ظل ما ورثه القطاع من اخلالات فهل من تفسير؟ كل ما هو موجود حاليا دون المطلوب لتلبية الخدمات الصحية للمواطن التونسي والمؤسسات الصحية العمومية تعمل في وضع صعب والاطار الصحي يعمل في ظروف صعبة ومعالجة الوضع تتطلب امكانيات مالية وتشريعات جديدة. واصلاح المنظومة الصحية بشقيه العمومي والخاص وخاصة العمومي الذي يتكفّل بأكثر من 75٪ من الخدمات يتطلب وقتا لأن بناء مستشفى وتوطين التكنولوجيا لصناعة التجهيزات الطبية ليس سهلا. إذا كيف ستتم عملية الاصلاح؟ الاصلاح يجب أن يتم على مراحل.. مرحلة فورية تقوم على علاج النقاط الساخنة كالطب الاستعجالي وتحسين العلاقة مع المواطن وتوفير الأدوية بالعدد الكافي. ومرحلة متوسطة وبعيدة المدى تتطلّب حوارا بين جميع الكفاءات المعنية لرسم معالمها وطبعا أنا في حكومة محدودة العمر لا تصل الى هذه المرحلة ولكن تحديد ملامحها يمكن أن يكون مرجعا للحكومات القادمة. وللغوص أكثر في واقع القطاع سألناه عن ظاهرة نقص الادوية التي تفشّت بعد الثورة الاسباب والحلول؟ الأسباب عديدة منها أولا نقص في الانتاج بالمصانع لسببين الاول بعض الاعتصامات التي عطّلت كليا أو جزئيا المصانع وصفاقس أفضل مثال.. وثانيا عدم وصول المواد الاولية عبر الموانئ والتهريب عبر الحدود (ليبيا والجزائر) الذي أصبح يتم بشكل مهول حتى أن ادارة الصيدلة والدواء تذمّرت من ذلك فتوجهنا بملاحظاتنا الى وزارة الدفاع ووزارة الداخلية فأشاروا بأنها تفرض بالقوّة على الأعوان وعموما هي ظاهرة عامة نسعى الى القضاء عليها بعودة الاستقرار والأمن. والحمد & أن هناك رجوعا لماكينة الانتاج وشخصيا أعطيت تعليمات بألا يقع شح في الأدوية بالسوق حتى وإن اضطرنا الى الشراء بأسعار مرتفعة. أين وصل ملف علاج جرحى الثورة؟ عندما تسلّمت الوزارة وجدت أن هذا الملف يثير جدلا اعلاميا كبيرا حول مسألة استكمال علاج جرحى الثورة الذين هم في حدود 2700 شخص. والاصابات تتفاوت من الحساسية من الغاز الى السقوط البدني. ولمعالجة الملف شكّلنا ثلاث لجان مهنيّة بتونس وسوسة وصفاقس وهي تتكوّن من أساتذة في الطب لفحص الجرحى وتقديم حاجتهم للعلاج. وماذا عن الجرحى الذين تتطلّب حالتهم العلاج بالخارج؟ اللجان تنظر أيضا في ملفات الجرحى الذين يحتاجون الى العلاج بمؤسسات صحيّة بالخارج وحاليا نظرت في ملفات 200 جريح منهم 7 جرحى يستحقون العلاج بالخارج ونحن حريصون على ضمان العلاج الجيّد والناجع وندعو القادرين ماديا على العلاج بالخارج على الحساب الخاص الى التنسيق مع الوزارة حتى توجّههم نحو مؤسسات صحية مضمونة. علمنا أن بعض الدول عبّرت عن نيتها في التكفّل بعلاج بعض الجرحى ما مدى صحّة هذه المعطيات؟ رغبنا في أن تكون مسألة علاج جرحى الثورة بالخارج مكفولة للدولة فقط لأنهم أصيبوا لأجلها ولكن بعض الدول عبّرت عن مساعدتنا مثل ألمانيا حيث قال وزير خارجيتها إنه سيتكفّل بعلاج 10 جرحى وكذلك قطر التي لم تحصر العدد وتركت لنا الاختيار ونودّ أن ندخل في نقاش مع الأطباء لتقييم مصداقية عرض العلاج وجدواه. تعيش أغلب المؤسسات الصحية على وقع العنف اللفظي والجسدي بعد الثورة فما هي اجراءاتكم للحد منها؟ حالات العنف بدأت تقترب من 300 اعتداء بين لفظي وجسدي ومادي على الاطار الطبي وشبه الطبي والتجهيزات، وهذا العنف غير مبرّر رغم الثغرات التي نقرّ بها في حق من أمّنوا العلاج أثناء الثورة وأقلّ ما يقال عنها إنها مجانية مثل ما حدث في شارل نيكول وسيدي بوزيد وعموما تعدّ الخسائر بالملايين. وبخصوص الاجراءات عملت الوزارة على تفعيل الجانب الأمني والاجراءات القانونية المشتركة وسوف تفعّل خاصة بأقسام الاستعجالي ومؤسسات الطفولة وفي أوقات الذروة. كما سيخضع مرتكبو العنف الى التتبع العدلي لأنه من غير المعقول أن يصل الحد الى ممارسة العنف بمستشفى بنزرت لمحاولة تهريب سجين ولكن الى جانب القانون وبعث نقاط أمن بالمؤسسات الصحية وكاميراوات المراقبة لابد من تدخل المواطن في التحسيس بأهمية مكافحة العنف خاصة أن القطاع العمومي في اتجاه التأنيث (أغلب العاملين به إناث). القطاع الخاص يمارس سياسة الفقر الحالي في تحديد أسعار، فماذا عن رأي الوزارة؟ القطاع الخاص هو قطاع مهيكل أي توجد غرفة للمصحات الخاصة ولمركز تصفية الدم ولكن المستهلك غير مفعّل من خلال المجتمع المدني فحتى منظمة الدفاع عنه ليس لها الدور الكافي لذلك يمكن ان ندير حوارا بمشاركة صندوق التأمين على المرض والمواطنين وممثلي المشاريع الصحية وسلطة الاشراف. وبخصوص الفاتورة فهي تتوزع كما تعلمين على تعريفة الطبيب والفندقة الاولى موحدة الا ان بعض العمليات الجراحية مثلا تتطلب أشياء إضافية بما يحدث الاختلاف، أما الفندقة فلابد من النظر فيها بضرورة الالتزام بأسعار تفاضلية. علمنا ان الوزارة بصدد بعث اذاعة خاصة بالصحة، فهل من تفاصيل؟ هي فكرة في اطار الدرس نريد من خلالها ان نتواصل مع المجتمع التونسي بخصوص قطاع الصحة سياسة وتنظيما وخدمات، وهو مشروع يمكن ان ينطلق عبر ال «نات». ماذا عن جديد الانتدابات وحل معضلة البطالة؟ نحن بصدد مراجعة الميزانية والانتدابات ستكون بالآلاف من اطار طبي وشبه طبي وأعوان وعموما القطاع الصحي العمومي في حاجة كبيرة الى الترفيع في عدد هذه الوظائف وتستقبل الوزارة الكثير من المطالب في هذا الغرض من رؤساء الأقسام. والمطلوب أن تترك للوزارة الفرصة لتجسيد برامجها واطلاق المشاريع التنموية من جديد فلا تشغيل بدون عودة العملية الانتاجية. نعم للصبر لكن هناك من يصف هذه الحكومة بالضعف في الاداء ونقص الخبرة بما لا يطمئن على المستقبل، فما هو ردّكم؟ لا يمكن الحكم على الحكومة قبل أشهر لأننا ورثنا وضعا صعبا كما قلت في البداية وليس له حجة في أن يحاسب الحكومة على أدائها الآن وعلى العكس لو كانت ضعيفة لأشهرت الحل الأمني منذ البداية ولأنها قوية راهنت على الحوار والتفهم وقدرة الشعب على توفير ظروف التنمية والحرية في نفس الوقت وذلك بتوفير نوع من الاستقرار والهدوء وهذا الشرط من السهل اقناع المواطن به الا انه للأسف بعض الأطياف السياسية عملت على ركوب هذه الظاهرة لغايات متعددة ربما لهدف ارباك الحكومة وهي إن تمكنت من ذلك فإنها ستربك وطنا وليس حكومة. فنحن لا ننكر المطالب الاجتماعية بل ننكر عدم توفير المناخات الملائمة لتستجيب الحكومة لذلك وخاصة توفير الأمن والهدوء فالتونسي الذي صبر لسنوات وهو يقاوم الفقر والاستبداد بإمكانه ان يصبر بعض الأشهر. القول بأن الحكومة لو كانت ضعيفة لأشهرت الحلّ الأمني يحيلني الى التساؤل عما يعرف عن حركة النهضة بأنها تحسن المناورة؟ الحكومة جاءت من سلالة المعارضة والحكم يحتاج الى العمل بثبات شديد. صلب حركة النهضة توجد تجاذبات واختلافات من بين أسبابها توزيع المناصب الحكومية، فما مدى صحة ذلك؟ أنا لن أقول إن داخل الحركة لا يوجد تنوّع الا ان الحركة التي عرفت كيف تدير اختلافاتها زمن الشدة هي الأقدر على الاستفادة من تنوعها زمن الحرية؟ باعتبارك أمينا عاما سابقا لاتحاد طلاّبي عريق في النضال، كيف تصف الحراك الجامعي الحالي؟ الجامعة اليوم تعيش حراكا مختلفا عن الحراك الطلاّبي في 90 ولكن نحن نعتبر ان الملف شائك جدا لأن النقاب يجمع بين بعدي الحرية الشخصية بغضّ النظر عن الاتفاق والاختلاف وبُعد احترام ترتيبات المؤسسة الجامعية ووزير التعليم العالي أحال القضية الى المحكمة الادارية للبت في الموضوع وهنا لابد ان يكون القضاء هو المرجع في مثل هذه القضايا الاشكالية ويجب ان نحترمه في اي حكم يصرّح به خاصة انه الآن حرّ ومستقل. أما بخصوص الحراك الجامعي فلا يمكن الا ان يكون ايجابيا على اعتبار ان الحركة الطلابية كانت رافدا أساسيا في كل معارك البلاد التحريرية والسياسية والاجتماعية وعلينا ان نقف الى جانب الحركة الطلابية ونساعدها على دورها العلمي والاجتماعي والثقافي والسياسي وهذا يمثّل الضمان الحقيقي لمستقبل البلاد. قدماء الاتحاد العام التونسي للطلبة عادوا الى الحركة الطلابية من خلال بعث رابطة، فأين أنت منها؟ ابتسم وقال: «أنا عضو بالرابطة». آخر أسئلتنا ماذا عن توفير التوازن الصحي بين الجهات وتوفير طب الاختصاص بمؤسساتها؟ نحن عازمون على معالجة ملف طب الاختصاص خاصة بالجهات في اطار حوار مع عمادة الأطباء والنقابة والجمعيات. ونتمنى ألا نضطرّ الى اللجوء الى الخارج وهدفنا هو الوصول الى خارطة صحية متوازنة بين الجهات من تجهيزات وموارد بشرية لأنه في غياب هذا لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية.