قد تكون لتونس مستقبلا مؤسسات رسمية عديدة للافتاء ومفتين من مختلف المشارب الفقهية والعلمية الى جانب مفتي الجمهورية التونسية. فقد أطلق السيد نورالدين الخادمي وزير الشؤون الدينية عشية أمس الأول خلال لقائه بممثلي بعض الأحزاب السياسية حول «واقع الشأن الديني» عن قنبلة إعلامية دينية قد تحدث بلبلة في قادم الأيام باقتراح إحداث مؤسسة افتاء جامعة تضمّ عددا كبيرا من المفتين المتخصّصين في المجال الديني والفقهي وخبراء في المجالات العلمية والطبية. وعلى حدّ تعبير الوزير الذي كان ل«الشروق» لقاء معه، فإنّ المؤسسة الافتائية الجديدة ستكون لها فروع في مختلف جهات البلاد وتقدم الفتوى لمن أرادها. انتقادات للمفتي وقال الوزير جوابا عن سؤال حول الجدوى من وراء إحداث مؤسسة افتاء جديدة مع وجود مفتي الجمهورية التونسية في شخص السيد عثمان بطّيخ، إن وزارة الشؤون الدينية أرادت إعادة النظر في الواقع الحالي لدار الافتاء الرسمية منتقدا ما يشوب الإفتاء الرسمي بأنه إفتاء فردي ويحتاج الى اصلاح وتجديد «حتى يكون افتاء جماعيا يستند إلى شروط علمية واضحة تأخذ بعين الاعتبار التخصّص العلمي في مختلف مجالات الحياة البشرية». ولم يرَ الوزير مانعا من إحداث ما أسماه «مجامع فقهية للإفتاء تكون قريبة من الناس ومن بيئاتهم الاجتماعية والاقتصادية فالإفتاء في الجنوب ليس كالإفتاء في الشمال والإفتاء في البرّ ليس كالإفتاء في البحر مع الاستعانة بالمختصين والخبراء كالأطباء والعلماء». واستبعد الوزير إمكانية إلغاء دار الإفتاء الحالية مع بعث مؤسسات أخرى رسمية للإفتاء وهو ما يعني القضاء على مركزية الإفتاء واقتصارها على المفتي الوحيد في العاصمة. لكن كلام الوزير أخفى معطيات أخرى لم يدل بها في أجوبته ولعل أهمها ان تعدد مؤسسات الافتاء والمفتين لا يعني غير الغاء خطة مفتي الجمهورية وهو ما أكده سماحة المفتي عثمان بطيخ في تصريحه مبديا بعض الاندهاش والذهول من المقترح الذي أعلن عنه الوزير. واستنادا الى ما قاله مفتي الجمهورية التونسية فإن الفتوى الدينية لا تصدر الا عن المؤسسة الرسمية المعترف بها قانونا وتعدد مؤسسات الافتاء والمفتين لا يعني غير «الطعن في كفاءة المفتي كمختص في الافتاء وتدخل في صلاحياته ومجال عمله وإلغاء لوجوده». ما وراء المقترح الجديد اختفت بعض المؤشرات خلف ستائر المقترح الذي فاجأ به وزير الشؤون الدينية الرأي العام التونسي، فإحداث فروع للافتاء في الجهات سيؤسس لمنهج ديني جديد قد يسمح بفتح الأبواب امام تنظير ديني فقهي يبيح ما قد كان منعه مفتي الجمهورية التونسية وتعدد مؤسسات الافتاء يتيح الاختلاف في الرؤى الدينية التي تهم حياة التونسيين العائلية والمهنية والشخصية وقد تمتد الافتاءات المتعددة الى العلاقات الزوجية وتفاصيل الحياة اليومية وفق قواعد فقهيّة لم يكن يسمح بها من قبل. وقد كانت مؤسسة الافتاء قبل شهرين موضوع جدل داخل المجلس الوطني التأسيسي حين تدخّل النائب حبيب اللوز عن حركة النهضة خلال مناقشة القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية لاقتراح مبدإ الانتخاب لمفتي الجمهورية وتشكيل مجلس علمي ديني يضم علماء دين وفقهاء في محاولة لالغاء مبدإ التعيين في خطة مفتي البلاد غير أن مقترح حبيب اللوز واجه انتقادات حادّة من أعضاء كثيرين داخل كتلة المعارضة في المجلس وانتهى المقترح الى الرفض بشكل قطعي. جدل منتظر وقد يكون مقترح وزير الشؤون الدينية احداث مجامع افتاء جديدة محاولة أخرى لالغاء الخطة الحالية حتى لا يكون الافتاء مقتصرا على شخص المفتي الذي يتم تعيينه حسب القانون الجديد باقتراح من رؤساء الحكومة والجمهورية والمجلس الوطني التأسيسي وقال أحد أساتذة الفقه، الذي رفض الكشف عن اسمه، إن التصوّر الجديد يستند الى رؤية ذكيّة في ضرب مركزية الافتاء وفتح الباب واسعا لاعادة تكييف حياة المواطنين وفق تصوّرات دينية جديدة لا أحد يعرف طبيعتها ووجهتها والأهداف الكامنة وراءها. ويبدو أن هذا الموضوع قد يتحوّل في قادم الأيام الى جدل ديني واجتماعي وربما سياسي خاصة أن الوزير الجديد يتحدث عن افتاء من نوع آخر يكتسي صبغة التقنين والتشريع ويستوعب كل الاستفسارات التي تهم العلاقات الانسانية والتربية والتعليم والشأن الديني ذاته.