أثارت مبادرة السيّد الباجي قائد السبسي التي ضمّنها في بيانه الأخير الصادر يوم 26 جانفي 2012 الكثير من التعاليق وردود الأفعال، في هذا الحديث يقرأ السيّد فاضل موسى العضو في المجلس الوطني التأسيسي عن القطب الحداثي الديمقراطي البعض من دلالات المبادرة والبيان المذكورين.للسيّد فاضل موسى عميد كلية الحقوق بأريانة العديد من الآراء القيّمة والمقاربات بخصوص مجمل القضايا المطروحة على الساحة الوطنيّة ، وذلك عبر الاتجاهين السياسي والقانوني. أثار البيان الذي أصدره الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي جدلا، ليس بالجديد، حول تحديد مهام المجلس التأسيسي وضرورة الالتزام بمدّة السنة لعمله وعمل الحكومة... ما مدى مشروعية هذا الطرح في هذا التوقيت بالذات؟ أذكر بأن الالتزام بتنظيم الانتخابات المقبلة في أجل سنة، سبق أن طالب به، العديد من النواب وفي مقدمتهم الكتلة الديمقراطية، واقترحوا إدراجه في القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية، إلا أن هذا المقترح لم يتحصل على الأغلبية عند التصويت آنذاك ، لكن نسجل في المقابل أن الأغلبية الحاكمة تقول إنها ملتزمة أدبيا بذلك وهذا ما أكده من جديد رئيس الحكومة أمام المجلس التأسيسي منذ أيام، بمناسبة جلسة الحوار محمّلا المجلس مسؤولية كل تأخير، ويقصد بذلك التأخير في صياغة الدستور وبعض القوانين الأخرى اللازمة. إذن هناك مبدئيا توافق عام في الموضوع، لكن هذا لا يكفي لوحده واقتراح ضبط روزنامة واضحة يكون أفضل، كما هو الشأن بالنسبة للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي العاجل على المدى القصير أي السنة... هذا ما هو مطلوب في هذه المرحلة الانتقالية التأسيسية، أي برنامج واضح على المستوى الاقتصادي والاجتماعي عبر قانون المالية التكميلي، وبرنامج سياسي عبر ضبط أجندة الدستور وتفعيله بتنظيم الانتخابات في الآجال، مع بعض المرونة المعقولة لما قد تفرضه اعتبارات موضوعية كالتي دفعت إلى تأخير الانتخابات من 24 جويلية الى 23 أكتوبر2011، لكن تحت رقابة كل من المجلس التأسيسي والرأي العام ودون تجاوز ستة أشهر في أقصى الحالات .... قائد السبسي تحدّث أيضا عن ضرورة تنظيم انتخابات في أجل لا يتجاوز 23 أكتوبر 2012 ... هل ترى أنّ الظروف الموضوعية مهيّئة للالتزام بهذا الموعد وهل من المشروع أصلا أن يجري الحديث الآن عن هذا الموعد خاصة مع ضبابية الرؤية بخصوص عمل هيئة الانتخابات؟ للأسف لا يمكن تفعيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أنهت مهمتها المحددة زمنيا بتنظيم انتخابات المجلس التأسيسي عملا بالقانون الذي أحدثها، لكن من الضروري ودون تأجيل إصدار القانون الذي سيحدث الهيئة العمومية المستقلة الدائمة، كما هو منصوص عليه في الفصل 25 من القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية، وبدون هذه الهيئة لا يمكن تحقيق وضمان انتخابات نزيهة وشفافة وشعبية يجب ألّا تكتفي بمشاركة أقل من نصف الناخبين، كما حصل في الانتخابات الأخيرة، كما يجب ضمان الحيادية والاستقلالية الكاملة لهذه الهيئة. ومن المفروض استيعاب الكفاءات التي تم تكوينها لما لهم من رصيد معرفي وتجربة، وتعتبر هذه المبادرة من أهم ما يجب أن نقوم به، وبدون انتظار، لما لهذه الهيئة من أعمال تحضيرية لازمة وعاجلة،وخاصة إعداد القائمات الانتخابية بالدقة والمصداقية المطلوبتين. من أبرز ما جاء في مبادرة قائد السبسي حديثه عن ضرورة إيجاد «بديل يعزز التوازن السياسي،ويضمن تفعيل آليات التداول السلمي الذي بدونه لا يستقيم للديمقراطية أمر».. كيف تقرؤون هذه الدّعوة؟ هذه النقطة هي بيت القصيد، وتتلخص في نداء لتجميع القوى المعتدلة، والتي تأبى العنف والتطرف، وتؤمن بالمرجعية الإصلاحية التاريخية التونسية، والتي يمكن أن تمثل بديلا للقوة السياسية الموجودة في طليعة الأغلبية الحاكمة اليوم، أي حركة النهضة ومن يُحسب عليها، هذه القوة الجديدة التي ستؤسس للتداول السلمي الحقيقي على السلطة وبذلك ضمان المسار الديمقراطي السليم، الهدف من هذا النداء هو إعطاء صورة واضحة للرأي العام التونسي تبرز إمكانية بعث قوة سياسية ثانية من الوزن الثقيل في البلاد التي تفتح باب إرساء قطبين أساسيين، لهما برنامجين ومرجعيتين مختلفين، ومتنافستين على الساحة السياسية في البلاد، وفي كنف التعايش السلمي. إنّ فكرة ضرورة تجميع هذه القوى الديمقراطية التقدمية والحداثية المتشتتة هو مطلب يتقاسمه العديد، ومن المفارقات والطرائف أنّ من بينهم الأمين العام السابق لحركة النهضة ورئيس الحكومة الحالي الذي عبر صراحة عن استحسانه لهذا التوجه أمام المجلس التأسيسي منذ أيام ، بمناسبة جلسة الحوار الأخيرة وقبل صدور هذا البيان، وغيره من قيادات النهضة في مناسبات سابقة مختلفة. لكن في الواقع ومنذ مدة برزت، تحت ضغط شديد من الرأي العام الذي لا يؤمن بمشروع الأغلبية الحاكمة، مبادرات تدعو إلى تجميع ما سُمي بقوى الوسط وانطلقت المفاوضات في شأنها ولاتزال، و قد بدأت بعد عملية تجميع بعض الأحزاب والمستقلين، وتم حتى الإعلان عن ذلك، وفي قادم الأيام قد يتم الإعلان عن مبادرة أخرى شبيهة إلى غاية التوافق على انصهارهما في مؤتمر تأسيسي ، وها هي مبادرة أخرى تُضاف للمشهد السياسي.