أثار القرار الذي اتخذه الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي بطرد السفير السوري وقطع كافة العلاقات مع دمشق موجة استياء كبيرة لدى المجتمع التونسي وخاصة القوى القومية والتقدّمية... ذلك أن هذا القرار فاجأ الكثير من المتابعين نظرا الى ما اتسم به من تسرّع وغموض، الأمر الذي رأى فيه البعض تماهيا مع المخطط الغربي الرامي الى استهداف سوريا واضعافها ومحاولة لمزيد تفجير الوضع المتفجر بطبعه هناك منذ نحو عام... فماهي دواعي مثل هذا القرار وخلفياته ومدلولاته... ولماذا اتخذ في مثل هذا التوقيت؟ وهل من مصلحة تونس اتخاذ هذه الخطوة في هذا الظرف بالذات؟ هذه جملة من أسئلة تجيب عنها شخصيات تونسية وهي: الأستاذ عبد اللّه العبيدي (خبير استراتيجي تونسي) الأستاذ منصف وناس (جامعي وباحث تونسي) الأستاذ سالم لبيض (جامعي تونسي)
- سالم لبيض ل «الشروق» : قرار غير مدروس...لاشك ولا إختلاف في أن مصلحة سوريا في إقامة نظام ديمقراطي تداولي وفي إقامة نظام يقوم على العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص هو ما يقود مختلف الاقطار العربية لاسيما التي شهدت ثورة سلمية مثل تونس لكن حسن النوايا في مثل هذه الظروف قد لا تكون كافية فالقرار الذي اتخذته الحكومة بطرد السفير السوري إذا أخذناه من زاوية حسن النية في دعم شعب سوريا فهو قرار متسرع وغير مدروس بالقدر الكافي لأنه بكل بساطة يدعم مسار التدويل أو يشرع من وتيرته... والتدويل يحيل على التدخل في الشأن الوطني السوري...وهذا ما قامت به الحكومة التونسية من حيث هي لا تشعر وإذا كنا استقينا أطرافها الحاكمة في تدويل الثورة السورية قبل سقوط بن علي لرفضت ذلك... والتدويل مرفوض بكل المقاييس لأنه يعني في نهاية الأمر تدخل المنظمات الدولية...وهذه المنظمات مثل الأممالمتحدة ومجلس الأمن تخضع لعلاقات قوّة مختلة وغير متوازنة لصالح القوى العظمى مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي التي لا يقدم لنا التاريخ شاهدا واحدا على أن تدخّلها كان لمصلحة الشعوب... ولم يكن لمصلحتها هي الخاصة... ومن ثمة فإن التدويل في نهاية الأمر هو إما تفتيت للدولة على أساس انتماءات ما تحت الدولة مثل الطائفة والعشيرة والميليشيا كما حدث في ليبيا واما الاستعمار المباشر كما حدث في العراق وبالتالي فإن دفع الحكومة التونسية بقرارها هذا في اتجاه التدويل لا تخدم المصالح الوطنية السورية... وهي كمن يستعيض من الرمضاء بالنار... وكان الافضل على الحكومة التونسية أن تترك الشأن السوري يحسم بقواه الداخلية بدل أن تحشر نفسها فيه وتضع نفسها في قلب الصراعات والمواقف المختلفة في هذه القضية.- المنصف ونّاس : خطأ دبلوماسي فادح رأى الجامعي التونسي الاستاذ منصف ونّاس أن قرار الرئيس التونسي ترحيل السفير التونسي خطأ ديبلوماسي فادح معتبرا أن هناك أطرافا خارجية ضغطت من أجل تبني هذا القرار غير الصائب. كيف تقرأ أستاذ مدلولات قرار السلطة الحاكمة مقاطعة سوريا... وما هو تفسيرك له؟ يجب أن نشير الى أن الديبلوماسية التونسية، بغض النظر عن النظم والحكام المتعاقبين في تونس كانت دائما مبنية على الاعتدال وتغليب مصلحة تونس على أي اعتبار آخر ولكن مثل هذا القرار الذي فاجأنا جميعا يبدو أنه قرار متسرّع وغير موفّق ولا يتلاءم مع تاريخ الديبلوماسية التونسية. وكم كنا نتمنى على الديبلوماسية التونسية في مرحلة الثورة أن تتّخذ الاتجاه المعاكس وأن تضمّ جهودها الى بقية الجهود الأخرى من أجل حل سلمي وحضاري للمأساة السورية وخلق فرص الحوار بين السلطة والمعارضة علما وأن سوريا بلد متعدّد الاعراق والاجناس والأديان لا يتحمل اللجوء الى التدخل الخارجي ولا مزيد التأزيم. فيكفينا عبرة ودرسا ما حصل في ليبيا الجارة الأقرب الى تونس جرّاء مواقف متطرّفة ومتسرّعة وغير مطلعة على حقيقة الأوضاع في ليبيا... فمن مصلحة سوريا أن يتم تغليب فرص الحوار وتشجيع الطرفين على القبول بمبدأ الحوار لانقاذ سوريا. هل تعتقد أن هناك من «طبخ» هذا القرار في الخارج مثلما يذهب الى ذلك البعض؟ اذا كانت قطر قد اتخذت قرار طرد السفير السوري تعويضا عن فشلها في مجلس الأمن وفي تدويل الملف السوري فهذا خطر على تونس. كيف؟هذا مساس بالغ بسيادة تونس وباستقلالية ديبلوماسيتها... وهذا دليل آخر على خطإ ديبلوماسي فادح يعطي انطباعا للداخل والخارج أننا إزاء ديبولماسية هواة وليست ديبلوماسية محترفة تأخذ بالحسبان مصلحة تونس وتجنبها الأزمات والتوترات مع المحيط العربي والاقليمي... لا شك أننا ندين قتل الابرياء وسفك دماء السوريين ونطالب بضرورة الاستماع الى مطالب الديمقراطية والحريّة لكننا لا نفهم هذا التطرف في اتخاذ القرارات السياسية خاصة أنه لم يتخذ نفس القرار أي بلد في العالم. لكن لماذا كل هذا الاسراع في اتخاذ مثل هذا القرار ولماذا أرادت تونس أن تكون السباقة في هذا الإتجاه برأيك؟ أتمنى أن أكون مخطئا لكن لدي إحساس بأن أطرافا خارجية ضغطت من أجل تبني هذا القرار غير الصائب الذي يتوفر على قدر كبير من الرعونة... ثمة بالتأكيد ضغوط خارجية استجابت لها ديبلوماسية غير محترفة وهيأة لا تتوفر على الخبرة الضرورية لإدارة العلاقات الدولية لتونس فما يتوجب أن نؤكد عليه أن تونس تواجه مجموعة كبيرة من التوترات والاعاصير الداخلية الاجتماعية وتجاور بلدا يعيش حربا أهلية وسيطر عليه ميلشيات تمتلك الملايين من قطع السلاح الامر الذي يغفيها عن أي تورط في قرارات متسرعة تؤلب عليها سوريا وروسيا والصين. فمصلحة تونس تقتضي الحكمة والرصانة ونزع فتيل الأزمات التي لا ندري بالضبط انعكاساتها العاجلة والآجلة في بلد له ما يكفيه من الأزمات الداخلية ما يكفيه زمنا طويلا وله من التحديات الاقتصادية والتنموية ما يحتاج عقودا كاملة من الزمن حتى ينهض بها...فيكفي تفجيرا واحدا لا سمح الله حتى تنهار السياحة التونسية على امتداد عقد من الزمن على الأقل... هذه مغامرة دخلتها السياسة التونسية ولكنها لا تقدر على التكهن بنتائجها وآثارها في القريب العاجل...ولهذا أتمنى من كل قلبي وعقلي أن تتدارك الديبلوماسية التونسية هذا القرار الخاطئ وأن تعمل على إرجائه بحجة إعطاء مهلة لسوريا حتى تتدارك أمورها... وهل تعتقد أن ذلك ممكن اليوم؟ أعتقد أن تأجيل التنفيذ يخدم مصلحة تونس وعلاقاتها العربية البينية أفضل بكثير من تنفيذه... فلنذكر السياسيين الذين يحكمون تونس الآن أن بورقيبة لم يطرد أي سفير على الرغم من التوترات التي عاشها نظامه السياسي فالمرة الوحيدة التي هدد فيها بورقيبة بطرد السفير الأمريكي سمحت به بأن يحصل على إدانة واسعة في مجلس الأمن على إثر الغارة الاسرائيلية على حمام الشط. فالديبلوماسيات الذكية تلوح بالطرد ولكنها لا تستعمله البتة وهو أقوى بكثير من تنفيذ الطرد. - عبد اللّه العبيدي : الهدف من القرار إضعاف موقف سوريا وحلفائها وصف الخبير الاستراتيجي التونسي الأستاذ عبد اللّه العبيدي قرار الرئيس المؤقت طرد السفير السوري بالمتسرّع مؤكدا أنه ليس من مصلحة بلادنا أن ندخل في مثل هذه المهاترات. ماهو تحليلك أستاذ عبد اللّه، لقرار طرد السفير السوري... وما الجدوى من ورائه برأيك؟ ليس هناك أي شك في أن هذا القرار كان في الحقيقة متسرّعا ولم يتمّ اتخاذه بناء على دراسة ملفات، بل إنه ربما لم يتخذ حتى إثر استشارة من لهم رأي في الوزارة والبلاد... فالجامعة العربية التي من المفترض أن تكون المرجع، لم تعد عمليا موجودة وهذه الجامعة هي اليوم بلا عراق سيد قراره وبلا مصر سيدة قرارها بينما تخوض سوريا حربا مع فيالق من المرتزقة تسندهم قوى خارجية واضحة ممثلة في الغرب بشقيه الأمريكي والمجتمع الدولي المتمثل في الناتو. والواقع أنني لا أتصور أن ما يحصل هو نتاج قوة قطر... فلو كانت قطر بهذه القوة لتحريك دواليب مجلس الأمن والجماعات الأجنبية التي تتحرك لصالح أعداء سوريا لتحرّرت فلسطين منذ فترة والعراق لم يحتل. كيف تفهم هذا القرار من حيث توقيته؟ واضح أن هذا القرار جاء في اليوم المحدّد لمداولات مجلس الأمن حول الشأن السوري... وكان الهدف الأساسي منه اضعاف موقف سوريا وحلفائها ولكن هيهات... فقد جهل أصحاب القرار عندنا أنّ روسيا والصين بحجمهما الدولي يعتبران أن الظرف مُوات على مستوى التاريخ للتصدي لنزعة الهيمنة الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة... وربما حتى من باب الحرص على استقرار الأمر للحكومة التونسيةالجديدة كان من الحكمة النأي بتونس عن هذا القرار لأن أعداء التشكيلة السياسية الحاكمة حاليا كثر في الداخل والخارج وليس من مصلحة تونس ولا من مصلحة الائتلاف القائم على رأسها أن ندخل في مثل هذه المهاترات لأن ضعف الحكومة الحالية سوف يقع استغلاله في مرحلة لاحقة بصورة مزدوجة ضد الحكومة وضدّ تونس. وهذه المرحلة أرى أنها آتية بالضرورة لأن حلفاء الغرب وامتداداته في تونس هم اليوم بالتأكيد خارج السلطة... ومن جانب آخر يجب أن ننبّه الى الغرور الذي ينتاب البعض في السعي الى جعل تونس تتقدم مجموعة من الدول العربية في معاداة سوريا ودول عربية أخرى خصوصا لما تتعالى أصوات في الكونغرس الأمريكي تعترف بأن أمريكا بطم طميمها ليست قادرة على فرض الديمقراطية من الخارج فما بالك بدولة بحجم تونس خارجة لتوّها من زلزال سياسي واجتماعي واقتصادي تتلمس طريقها نحو شاطئ النجاة.
في هذه الحالة هل تعتقد أن فرص تصحيح هذا القرار لا تزال ممكنة؟ ما أريد التأكيد عليه هنا أنه على كل القوى الخيرة في بلادنا أن تسعى من أجل اخراج تونس من هذا القرار السيّء والتقليل من الأضرار التي سيحدثها على الديبلوماسية التونسية وعلى موقع تونس في محيطها الجيواستراتيجي... يجب ألا ننتهي بنتائج عدم الثقة في بلادنا التي قد يولدها هذا القرار لدى أجوارنا خاصة منه الجار الغربي وما قد ينجرّ عنه من عدم استقرار في مرحلة نحن في أشدّ الحاجة خلالها الى توفير ظروف وشروط إعادة الاستقرار داخليا وخارجيا... لكن ثقتنا راسخة بأنه مع مرور الأيام وبالاطلاع على الملفات ودراستها بشكل جيّد فإن الائتلاف الحاكم سوف يجد الفرصة المناسبة لاتخاذ قرارات أكثر صوابا خاصة أن هذا الائتلاف لايزال حديث العهد بالملفات العربية الشائكة والمتشابكة.