أصبح جامع عقبة بالقيروان بعد الثورة، قبلة عديد الشيوخ والدعاة. تستضيفهم الجمعيات الإسلاميّة. ويحظون باستقبال كبير. كما تنشط الجمعيات في الشوارع في عديد المناسبات. لكن ما مدى صحة ما يشيع عن «الإمارة الإسلامية في القيروان»؟ وهل هي حقيقة أم مجرد نسج خيال؟ أصبحت الأنشطة الدينية الإسلامية شأنا يوميا عاديا في مدينة القيروان. تظهر من خلال نشاط الجمعيات او من خلال المساجد الملآى بالمصلين. كما يرفل الشارع بأزياء متنوعة تشير الى كونها إسلامية. وتختلف الهيئة الخارجية والهندام حسب المجموعات. ليكثر بذلك تصنيف هذه المجموعات «الإسلامية» بين حزب النهضة وحزب التحرير ومجموعة السلفيين الذين يتميزون بارتداء القمصان واطلاق اللحية وتتميز النسوة بلباس الحجاب والنقاب. ولعل هذا النشاط الملفت الذي قد يراه البعض خروجا عن المألوف في السابق بشكل او بآخر، فانه لم يكن سببا في اية مشاكل كبيرة يمكن ان تهدد السلم الاجتماعي رغم محاولات البعض ترويج الاشاعات. لكن ما يبرز للعيان هو الحشد الجماهيري الذي تتميز به المجموعات الإسلامية. حيث أثبتت قدرتها على جمهرة المواطنين خصوصا اذا ما تعلق الأمر بالمساس بالمقدس الإسلامي او برموز الإسلام. مثلما حصل أثناء ما وصف باعتداء الدكتور الطالبي على المقدسات واثر بث قناة نسمة لفيلم الفتنة «بيرس-بوليس» ثم خلال مسيرة نصرة الشعب السوري. وتعتبر ساحة الشهداء (باب الجلادين) بمدينة القيروان، بمثابة مركز الالتقاء. ولا يزال جدار باب الجلادين يحتفظ باللافتات التي تم تعليقها. وتحمل بعضها آيات قرآنية واخرى آحاديث نبوية, وأخرى تحمل شعارات. والملفت ان الرياح هي الوحيدة التي تجرأت على المساس بها ونزعها. ولم تمتد إليها أية يد، خوفا ورهبة وربما احتراما بما في ذلك بلدية القيروان كان تواجد اللافتات يشير الى الاستعداد المتواصل للتحرك ضد كل ما يهدد الهوية والمقدسات. وهذا الى جانب الملصقات الدورية للإعلان عن الندوات وعن الضيوف من الشيوخ والعلماء. حضور إسماعيل هنية (رئيس الحكومة الفلسطينية) الى القيروان والسماح له بصعود اقدم منبر في العالم الإسلامي كان الحدث الأبرز الذي جمع من حوله جميع الأطياف الإسلامية. بل ان هناك من بايعه أميرا للمسلمين أثناء خطبته الحماسية المستثيرة للشجن بعبارات مثيرة للعبرات. لكن حضور بعض شيوخ القنوات التلفزية والدعاة يظل اكثر خصوصية. لكن هل هناك علاقة بين هذه الأنشطة الإسلامية وما يتردد عن وجود إمارة سلفيّة بالقيروان تنشط بباب الجلادين وسيطرة «السلفيين» على المساجد وما مدى تأثيرهم في حياة الناس؟ ساحة «الجهاد»...والفقه تعتبر ساحة الشهداء بالقيروان قبلة كل من يريد القيام بوقفة احتجاجية أو تنظيم احتفال ما أو القيام بحملته الانتخابية. وكانت فضاء للحوار والتواصل شهدنا معظمها بين اقصى اليمين واقصى اليسار في جو من التسامح المتناهي رغم الاختلاف البين في وجهات النظر. وتحتوي القيروان أيضا على مكتبة إسلامية منها مكتبة تابعة لجامع عقبة بن نافع. ومنها مكتبات تجارية أصبحت قبلة لمن يريد شراء كتب التوحيد والفقه والفتاوى المطبوعة خاصة في البلدان التي تتبع المذهب الحنبلي وتتبع المنهج التوحيدي الوهابي، وقد زرنا هذه المكتبة الواقعة في شارع بيت الحكمة وهي مختصة في بيع الكتب الدينية والتاريخية وبعضا من الموازيات والقصص للتلاميذ. ومن ابرز الكتب التي تجد رواجا حسب المشرفة على المكتبة، هي كتب الفقه والعقيدة والحديث ومن أهمها صحيحي البخاري ومسلم وتفسير ابن كثير وغيرها. وعن المقبلين على هذه الكتب أشارت أن اغلبهم من الملتزمين بالهيئة الإسلامية من لباس ولحية. وقالت «نحن نتحرك ونوفر الكتب حسب العرض والطلب من ذلك فان المكتب استورد خلال الشهر القادم كمية من الكتب من مصر خاصة في نفس الاتجاه لأنّ المقبلين عليه كثيرون حسب قولها. في المكتبة التقينا احد الشبان (موظف وإمام راتب) كان محمّلا ببعض الكتب. وقال انه مهتّم أساسا بكتب الرقائق والإيمانيات التي ترغّب في الجنّة وتحذّر من النار، والتي تتحدث عن مناقب الصحابة وأخلاقهم وكتب الفتاوى وأهم الكتب التي يعتبر اقتناؤها غنيمة مثل كتاب ابن عثيمين (سعودي) والحبيب بن طاهر صاحب كتاب الفقه المالكي وأدلته، وعن الجدوى من ذلك أجاب أنّه إمام راتب ويتطلب منه ذلك معرفة معينة ليجيب سائليه. وقد اعتبر الشيخ محمد حسّان قدوة له وقال انه يعتبره من الدعاة الوسطيين الذين يتحلون بالرفق وعدم التعصّب وحبّ الخير حسب قوله. سفيان (طالب) حسب المظهر الخارجي يبدو ذو هيئة سلفيّة وتضوع منه رائحة العطر. قال ان مطالعاته تتركز على كتب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب من شرح حفيده وشرح نظم الورقات في أصول الفقه ونواقض الإسلام لمحمد بن عبد الوهاب. ويرى ان الطريقة الوهابية طريقة سليمة بعكس ما يقول الناس «إنّه تكفيري»، وبين انه يجب أن تدرس هذه الكتب على ايدي شيوخ لهم كفاءة وليس على يد مدعين في العلم ! ونفى ان يكون منتميا الى احدى الجمعيات او المجموعات وقال انه ويحضر بعض الدورات التكوينية كدورة رئيسية في شرح نظم الورقات ونواقض الإسلام وقعت في العاصمة للشيخ أحمد بن عمر الحازمي وذكر أنّه استفاد كثيرا منها. وختم بالقول انه «بحول الله سيكون من الدعاة إلى الله بالحسنى دون تشدد وغلظة». جمعيات ودروس شرعية تنشط عديد الجمعيات الدينية التي تشرف على دورات في تحفيظ القرآن الكريم وتكوين المتعلمين في العلوم الشرعية تحت اشراف علماء وجامعيين تونسيين. ومن بين هذه الجمعيات «الجمعية الشرعية للعاملين بالقرآن والسنة» وهي جمعية وطنية لديها فرع في القيروان. وتقوم الجمعية بسلسلة من الدّروس الشّرعية والفقه وأصوله والمصطلح والعقيدة ودورات لتحفيظ القرآن بمقرها وفي اللغة العربية (النّحو). كما تستضيف عدة وجوه علمية ودعوية في مجالها وتشرف على «تنظيم» صلاة العيدين في ساحة أمام مقام أبي زمعة البلوي، ويرأسها الدكتور( طبيب أطفال) محمد بن الشيخ عبد الرحمان خليف الذي حكم عليه بورقيبة بالإعدام إثر خروج القيروان في مظاهرات منددة بفتوى الإفطار في رمضان وبدخول خيول سينمائيين ايطاليين باحة المسجد الكبير، ويعتبر والده أهم شيخ مر على القيروان في القرن الماضي لإجماع أغلب الناس على محبته لاعتداله وتسامحه وعلمه ومحافظته على حلقات الدرس والملة في جامع عقبة رغم كيد النظام السابق. إلى جانب جمعية عبد الله بن أبي زيد القيرواني لإحياء علوم الدين فمنذ نشأتها التي تحرص على تنظيم محاضرات دينية وفكرية والإشراف على تظاهرات علمية في شتى المجالات بشكل دوري. وقد تمكنت الجمعية من استضافة أسماء عربية لامعة وعلماء ومفكرين ودعاة على مستوى عربي محلي كالشيخ محمد خليفة أصيل مدينة مكثر والإمام الخطيب في جامع أبي بكر الصديق بتونس العاصمة وعلى صعيد عالمي أمثال الشيخ محمد الفزازي من المغرب وشيخ قناة الرحمة مسعد أنور من مصر والشيخ عادل مقبل من السعودية وغيرهم. وتحرص الجمعية على أن يكون نشاطها بشكل أسبوعي إلى جانب تنظيم دورات تكوينية تعليمية في مسائل الفقه وتحفيظ القرآن الكريم والسنة ومن بين هذه الانشطة العلمية والفقهية والثقافية، مشاركة الجمعية في تنظيم ندوة بعنوان « رؤية حول توحيد التقويم الهجري في العالم الإسلامي « أشرف عليها العالم التونسي محمد الأوسط العياري صاحب مشروع الشاهد لرصد الهلال وتنظيم المواقيت العالمية.. وقد فتحت الجمعية مجددا باب التكوين للمشاركة في دورة شهرية تمتد على ثلاثة ايام لشرح رسالة العالم أبي محمد عبد الله بن ابي زيد القيرواني لمدة ستة أشهر بداية من شهر فيفري يشرف عليها العلامة الموريتاني أحمد باب أحمد الشنقيطي الذي يعود مرة أخرى إلى القيروان. كما استضافت الجمعية المنشد السوري محمد ابو راتب الذي ينشد لأول مرة في تونس واستضافت يوم الخميس (16فيفري) الداعية المصري وجدي غنيم في جامع عقبة بعد صلاة المغرب. والجدير بالملاحظة وجود جمعيات أخرى بالقيروان لكنها تسير حسب النمط الزيتوني كالجمعية القرآنية التي لها بناية ضخمة اسمها دار القرآن تقوم بتحفيظ القرآن وتعليم الأفارقة وإسكانهم والإنفاق عليهم، وتسيير روضة كبيرة للأطفال، ودورات تحفيظ للنساء وللرجال وتنشيط جامع عقبة بن نافع بالدروس وحلقات الحفظ ،وهي الآن تخطط لمشروع ضخم رفقة الجمعية الشرعية للقيام بدورات جامعية تدوم بين ثلاث وأربع سنوات لتعليم الشريعة حسب البرنامج الزيتوني وقد سجّل إلى الآن 370 طالبا من الموظفين والعاملين والعاطلين، كما لا ننسى الندوات والأيام الدراسية والنشر الذي يقوم مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان. الى جانب جمعية الائمة الخطباء. السلفيون والمساجد؟ ويتردد في الشارع القيرواني سيطرة من يسمون ب»السلفيين» على بعض المساجد. وقد حاول الشيخ محمد خليف «الحصول» على منبر جامع عقبة خلف لوالده، لكن تم الاتفاق على ان يتولى إمامة جامع حي النصر بطريق حفوز. ويتردد على ان من يسمون بالسلفيين يريدون ان تولى خطبة الجمعة أمام عالم فقيه حافظا كتاب الله ومن الثقات. وقد تمت حملة لانزال بعض الأئمة الذين كانوا تابعين لتعيينات النظام السابق. كما قامت إدارة الشؤون الدينية بالتنسيق مع جمعية الأئمة الخطباء بمراجعة التعيينات. والجدير بالذكر انه لم يحدث اي خلاف او خرق فقهي لما يعرف عن خطبة الجمعة. ما عدا بعض التفاصيل الفرعية الخلافية مثال التنبيه قبيل خطبة الجمعة الجمعة من عدم «اللغو» والتسبيح الجماعي جهرا. ورغم تنامي التوجه الإسلامي من حيث الأنشطة وشكل اللباس لدى النساء والرجال ومن ذلك ملاحظة ارتداء النسوة للنقاب في الشارع وفي الكليات وفي المعاهد (بشكل غير ملفت) اي بنسبة يمكن ان لا تتجاوز 1 في الألف. ورغم ما يقال من بعيد فانه لا يوجد في القيروان اية أمارة ولا يوجد أي أمير لا للمؤمنين ولا لغير المؤمنين في القيروان. وإنما يوجد مواطنون يشقون من اجل لقمة العيش ويتردد معظمهم على عتبات المعتمديات والولاية طلبا للمساعدة والشغل ويتضرعون الى رب العالمين، ولا ينتظرون هبات الأمير ولا إقطاعاتهم من بيت مال المسلمين الذي قد يرى البعض ضرورة في إنشائه بشكل او بآخر...ولكنه لا يوجد لان «أمير المؤمنين» لم يأت بعد !