تخطئ حركة النهضة وأنصارها إذا فهمت وفهموا أن كل اضراب تتمّ الدعوة إليه الآن هو بالأساس موجه ضدّها وبالتالي ضدّ الحكومة وسيكون من الخطإ الفادح إذا أصرت حركة النهضة على أنها في «أزمة» الآن مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
لقد قلنا من البداية أن بروز أزمة بين حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل ليس في مصلحة البلاد والآن نقول أن أية «أزمة» مع الاتحاد لن تكون في كل الأحوال في صالح حركة النهضة كحزب حاكم وما حدث يوم السبت الماضي اشارات قوية للنهضة عليها فهمها بعمق وبكثير من العقلانية... والآن ليس في مصلحة حكومة «الجبالي» تعليق المشكل على شماعة حكومة «الباجي»، وإذا هدّد الآن حمادي الجبالي بكشف ما تمّ في حكومة «الباجي» فإن ذلك يطرح أكثر من سؤال وأول الأسئلة لماذا لم نعرف الحقيقة في حينها... لماذا تحدثوا حينها وشكروا «الباجي» وحكومته والآن صرنا نسمع عن كشف ملفات وحقائق. نعم كانت هناك أخطاء كثيرة في فترة حكومة «الباجي» وكانت حينها النقابات تتحرك وكان الانفلات الأمني على أشده وكان الركود الاقتصادي وكانت أيضا أخطاء سياسية فادحة لكن لا نعتقد أن كشف كل ذلك سيكون في مصلحة النهضة... هناك حقيقة ثابتة الآن هو أن وزراء النهضة فشلوا على الأقل أغلبهم في التعامل مع الملفات النقابية والكثير منهم ليس على دراية بالنقابيين الذين يمسكون بملفاتهم ولهم خبرة كبيرة في التفاوض مع حكومات تعاقبت منذ عقود... كان يمكن الوصول الى حلّ بشأن ملف أعوان البلديات وكان يمكن لوزير الداخلية علي العريض أن يصل الى حلّ في جلسة المفاوضات التي تمّت بحضور وزير الشؤون الاجتماعية، لكن للأسف لم يأخذ هذا الاضراب في المفاوضات ما يستحقه رغم أن كل المعلومات كانت تشير الى أن الاضراب سيكون ناجحا بنسبة 100٪ وعلى مدى الأربعة أيام. وعندما نفذ الاضراب تجاهلت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل دعوات من اتهموا بأنهم أنصار النهضة بإلقاء القمامة أمام مقرات المنظمة الشغيلة، وللأسف فإن ما تمّ لا يمكن قبوله لتنطلق بذلك الشرارة التي تلقفتها قوى كثيرة لا نقول أنها تترصد النهضة ولكنها تسعى الى كسر شوكتها. كان على هذه الأطراف أن لا تفوت فرصة الوقوف مع الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل خلق حضور لها على الأرض. حضور فقدته بفعل انتخابات أكتوبر وهذه الأطراف تدرك أن هذا الحضور لا يمكن أن يُصنع دون الاتحاد رغم أن العديد من تلك الأطراف «تورطت» سابقا في التهجم على الاتحاد وعلى قيادته.
العقل
الآن يبدو مهما عودة العقل للجميع وأساسا تجنب النهضة وقيادتها التصعيد فبكل المقاييس ليس الوقت في صالح الحكومة الآن في ظل حالة من اليأس صارت تنتاب شرائح كثيرة من الشعب وفي ظل احتداد المطالب الاقتصادية على حساب المطالب السياسية وهناك شرائح كثيرة الآن لن تغفر للنهضة عدم تنفيذ وتطبيق الوعود التي أطلقت قبل انتخابات أكتوبر ثم أن ردّة الفعل «الرسمية» ضدّ اضراب البلديين ستزيد تمسك القطاعات الأخرى باضراباتها المعلنة سابقا من أجل مطالب كانت محل تفاوض... على حركة النهضة الآن مراجعة حساباتها بعمق خاصة وأن من بين حلفائها في الحكم من هم «أصدقاء» وكانوا سابقا حلفاء للاتحاد العام التونسي للشغل وهولاء لن يرضوا «بطعن» الاتحاد وقسم ظهره وتقليم أظافره... على حركة النهضة أن تدرك فعلا أن الحسابات النقابية جزء من لعبة الحكم التي سعت إليها...