مثّلت تصريحات رئيس حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي مؤخرا حول العلمانية والدولة وإقراره بأن العلمانية ليست إلحادا تطورا في خطاب الحركة.. سياسيون ومحلّلون يقدّمون ل«الشروق» قراءتهم لهذه التصريحات. فهل نحن ازاء ميلاد «نهضة» جديدة. محمد الكيلاني (الحزب الاشتراكي اليساري) : الغنوشي يعرف مفهوم العلمانية منذ سنين الأستاذ الغنوشي الآن أفاق أن العلمانية ليست فلسفة إلحادية فهو أستاذ فلسفة وأنا أعرف أنه يعلم جيدا مفهوم العلمانية والفرق بين كل أشكال الأنظمة وهذا درسه في تعليمه الثانوي. الغنوشي يعرف ذلك لكنه أنكره إيديولوجيا ليخدم الفكرة التي يتبناها وخاصة وظّفها في الانتخابات ليظهر للشعب أننا ملحدون، وليسهل عليه إبعاد الرأي العام عنا. الآن عندما مرّت تلك الفترة ظهرت تغييرات في خطابه وعاد الى دروس الفلسفة التي درسها وأظهر لعموم الناس أن العلمانية لا تعني الالحاد اطلاقا. ثانيا هذا الأستاذ الذي يعتبر الدولة التونسية الحديثة جهالة لذلك اتهم بورقيبة بأنه ملحد وكافر والآن يقول ان الاسلام لم ينقطع في تونس منذ أن دخل وقالها بوضوح إنها تطبق بوضوح الاسلام في جزء من قوانينها. هذا يعني التلاعب بالرأي العام وأنهم يخفون عقائدهم الحقيقية من علاقة الدين بالسياسة، وبشكل لا يمكن الاحاطة به، عندما أفكر في الألاعيب الكبرى التي قاموا بها أعلم مدى خطرهم على البلاد. محمد القوماني (الاصلاح والتنمية) : موقف يفتح مجال التفاعل مع بقية الاطراف
هو قال ان العلمانية ليست فلسفة وجودية وإنما هي مسألة اجرائية تتعلق بالايمان أو الالحاد، أي أنه يمكن للمواطن أن يكون مسلما وعلمانيا كما يمكن أن يكون مسلما وليس علمانيا. هو يقبل بعلمانية جزئية تميز بين المجال الديني والمجال السياسي وأنا أساند هذه الفكرة التي تعود لعبد الوهاب المسيري. عموما أعتبر تصريحات الأستاذ راشد في تلك الندوة ايجابية ومطمئنة لأنها تفتح مجال التفاعل مع بقية الأطراف خارج ثنائية الاسلام وغير الاسلام التي هي ساندة في خطابات أخرى مثل التي قدمها وجدي غنيم وغيره والتي ترى في العلمانية معاداة للاسلام وحتى تكفير العلمانيين، لكن الغنوشي لم يضع العلمانية في دائرة الكفر. المشكل أنه أحيانا الأستاذ الغنوشي مثلا لا يلتزم بهذا الموقف ويضع هو نفسه العلمانيين في تقابل مع الرؤية السالية، حين يقول ان «الشعب لو يخيّر بين الاسلام وبين العلمانية يختار الاسلام» وهذا ضمنيا يعني أن العلمانية رؤية غير اسلامية تماما وأن الاسلام تمثله الحركات الاسلامية وهذا يرجعنا الى دائرة التجاذب بين الاسلام وبين العلمانية وتجرنا الى اعتبار أي موقف ناقد لوجهة نظر الحركات الاسلامية هو موقف معاد للاسلام. نحن نتمنى أن يثبت خطاب الغنوشي وحركة النهضة هذه المشتركات حين يؤكد أن الاسلام دين التونسيين وليس موضوعا للتنافس أو المزايدة وأن التنافس الفكري أو السياسي هو مجال الاجتهادات العقلية التي لا حضور فيها للمقدس.
أحمد ابراهيم (حركة التجديد) : موقف إيجابي يساعد على بناء دولة مدنية نحن كحركة التجديد لم نطرح دولة علمانية بل الدولة المدنية، وبين الدولة الدينية والدولة العلمانية هناك مكان للدولة المدنية، والقضية ليست قضية صراع ايديولوجي بين علمانية كثيرا ما تنعت بالالحاد بصفة اعتباطية، والأساس هو أن نسعى الى بناء دولة مدنية يكون في دستورها تنصيص على هوية البلاد العربية الاسلامية كما جاء في الفصل الأول من دستور 59 الذي حوله شبه إجماع. ويضمن الدستور مدنية الدولة ورعاية واحترام كل الشعائر الدينية وفي مقدمتها الشعائر الاسلامية ويضمن حيادها إزاء الدعاية السياسية والفصل بين مجال السياسة الذي يحتمل الخطأ والصواب ومجال المقدس، يجب أن نحرص جميعا على احترام نمط الحياة التونسية وتجنب كل الانقسامات المفتعلة. هذا النوع من المواقف إيجابي ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار مدنية الدولة والتوقف على أساسه والابتعاد عن الجدل العقيم ومظاهر التوتر والانقسام المفتعلة حفاظا على وحدة البلاد وأن نتجه نحو ارساء جمهورية ديمقراطية تكون ضامنة للحريات: الفكر والمعتقد والشعائر الدينية وكل الحريات والحقوق التي هي اليوم لها صيغة كونية والتي هي في ترابط ولا تشاقق مع هويتنا ومع قيم الحرية والعدالة. وباختصار نتمنى أن نبني جمهورية تكون في مستوى انتظارات الشعب وطموحاته وما يجب أن تكون عليه جمهورية في القرن 21.
محسن مرزوق : خطاب مطمئن يسهّل التوافق أحيّي ما صرّح به الشيخ راشد الغنوشي بهذا الصدد لأن هذا الكلام الذي كنا دائما نردّده لما نقول إن العلمانية ليست إلحادا وإنما هي الاجراءات الديمقراطية التي تضمن التعدد والتنوع، وتضمن تحييد الدين عن التوظيف السياسي وتمييز ما هو ديني عما هو سياسي حتي لا أقول «فصلا». وأنا أدعو الغنوشي الى أن يجعل من هذا الخطاب الرسمي خطابا معتمدا ومفهوما ومستوعبا من طرف كل قيادات حركة «النهضة» وقواعدها خاصة، وأنا أتفهم أن ظروف الاستبداد السابقة لم تمكن «النهضة» من العمل في العمق بين قواعدها نظرا للتضييقات الأمنية ولكن المسؤولية الوطنية الآن والتجاذبات داخل المجتمع وانقسام التونسيين كلها عوامل تحتّم ضرورة تحويل هذا الخطاب المقبول الى خطاب عام. وأرجو من الشيخ الغنوشي أن يكون هذا هو خطابه دائما بحيث لا يتغيّر الخطاب مع تغيّر الحضور، أي أن التأصيل النظري الذي يجعل من العلمانية نظاما للحكم أمر مقبول يجعل «النهضة» تلتقي مع حزب العدالة والتنمية التركي.. والمهم ألا يكون هناك خطاب مزدوج. واعتبر أن هذا الخطاب يفتح مجالا جديدا للحوار والتخفيف من التوترات بين التونسيين ويسهل التوافق حول فصول الدستور، وأنا ليس لي موقف نهائي أو علني من أي كان ولكن أقيّم كل موقف حسب الموقف وكل كلام حسب الكلام. واعتقد أنه بهذا الخطاب الواضح ردّ الشيخ الغنوشي على الدعاة الذين زاروا تونس مؤخرا لأن كلامه مختلف جوهريا عمّا تقدموا به ونأمل أن يفهم أولئك الذين استدعوهم الرسالة، كما أطلب من القوى الأخرى أن تردّ على الحسنة بعشرة أضعافها وأن تتخلى في خطابها عن كل ما يُفهم منه أنه تقليل من أهمية الدين أو الهوية وبذلك يحصل الاتفاق وتتمّ حماية الدستور.