ماهي الآثار القانونية للاتهامات التي أطلقها أعضاء من الحكومة المؤقتة على سياسيين ونقابيين بالتآمر والتعامل مع السفارات الأجنبية لاسقاط الحكومة خلال شهر مارس؟
تواترت خلال الفترة الاخيرة العديد من التصريحات الصادرة عن مسؤولين بالحكومة المؤقتة مثل السيد لطفي زيتون مستشار رئيس الحكومة والسيد عبد الكريم الهاروني وزير النقل وحتى رئيس الحكومة نفسه السيد حمادي الجبالي.
ومفاد هذه التصريحات أن أطرافا في المعارضة وفي اتحاد الشغل تخطط لمؤامرة ضدّ الحكومة بغاية اسقاطها في شهر مارس الجاري.
واشتدّت حدّة التهم خاصة بعد مسيرة الاتحاد العام التونسي للشغل والتي رفع اثرها أشخاص شعارات أمام وزارة الداخلية من نوع «الشعب يريد اسقاط النظام».
المسؤولية عن التآمر
اتهام سياسيين ونقابيين بالتآمر والتخطيط لمؤامرة والتعامل مع سفارات أجنبية لاسقاط الحكومة (رغم الفرق الكبير بين اسقاط الحكومة واسقاط النظام)، له استتباعات قانونية خطيرة.
السؤال المطروح في هذا المجال ماهي استتباعات تلك التصريحات، إذا ثبتت الاتهامات أو بلغة القانون إذا تحول الموضوع من الشبهة الى التهمة كيف ينظر القانون لمثل هذه الجرائم؟
وفي صورة لم يثبت المسؤولون بالحكومة اتهامهم لبعض الأشخاص، سواء بالتلميح أو بالتصريح، ماهي مسؤوليتهم تجاه تلك التصريحات؟ وماهو دور النيابة العمومية في مثل هذه الحالة؟
عقاب يصل الى الاعدام
ينص الفصل 69 من المجلة الجزائية على أنّ «المؤامرة تحصل بمجرد الوفاق والتقارر والعزم على الفعل بين شخصين أو أكثر».
إذن لا بدّ من الاتفاق بين شخصين فما أكثر لتوفير ركن المؤامرة، وحسب تصريحات أعضاء من الحكومة فإن الركن المادي قائم. أما عند ثبوت الجريمة فإنّ الفصل 72 من المجلة الجزائية ينص على العقاب الذي يصل حدّ الاعدام إذ «يعاقب بالاعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي».
ابداء الرأي
إذن التهم في هذا المجال خطيرة جدا، حتى أنّ المشرّع جرّم مجرّد ابداء الرأي ونص بالفصل 70 من نفس المجلة على أنّ «ابداء الرأي لتكوين مؤامرة بقصد ارتكاب أحد الاعتداءات ضدّ أمن الدولة الداخلي المبيّنة بالفصول 63 و64 و72 من المجلة (الجزائية)، يعاقب مرتكبه بالسجن مدة عامين.
ويذهب المشرع الى أبعد من ذلك لينص في نفس الفصل على أنه «يمكن زيادة على ما ذكر حرمان الجاني من التمتع بكل أو بعض الحقوق المبيّنة بالفصل 5 من هذه المجلة (الجزائية)».
والفصل 5 ينصّ على حق الاقتراع مثلا أو حمل السلاح وكل الأوسمة الشرفية الرسمية وتحدّد الفصول من 61 الى 80 من المجلة الجزائية أركان وعقوبات جريمة التآمر وآثارها القانونية وحتى السياسية مثل حرمان المتهم بالتآمر من حق الانتخاب وهي جريمة من الحجم الثقيل يصل العقاب فيها الى الاعدام.
دور النيابة العمومية
وأمام خطورة هذه الجريمة، فإنّ النيابة العمومية تجد نفسها أمام أمرين، اما أن تثير الدعوى وتأذن بفتح تحقيق في القضية وتستدعي المسؤولين بالحكومة الذين أطلقوا تلك التصريحات أو ان تلازم الصمت على اعتبار عدم جدية الاتهامات وتضعها في خانة التراشق السياسي والاعلامي، غير أنّ كل القوانين التي تتحدث عن المؤامرة تتحدث عن أمن الدولة، أي عن الدولة كهيئة قائمة وليس عن الحكومة.
القذف والنميمية أو الثلب
من جهة ثانية، فإنه يمكن لمن توجهت إليهم أصابع الاتهام أو المسؤولين القانونيين عن الهياكل النقابية أو السياسية المتهمة من قبل مسؤولين بالحكومة بأنهم يتآمرون أن يرفعوا الأمر للقضاء، لكن من زاوية تعرضهم للثلب أو النميمة بالمعنى القانوني للكلمة.
في صورة عدم تمكن مسؤولي الحكومة من اثبات تهمهم، فإن لتلك التصريحات آثارا قانونية، إذ نجد في القسم الخامس من المجلة الجزائية تحت عنوان «في هتك شرف الانسان وعرضه» الفصول من 245 الى 249.
وينص الفصل 245 على أن القذف «يحصل بكل ادّعاء أو نسبة أمر لدى العموم فيه هتك شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية...».
كما ينص الفصل 246 من نفس المجلة على أن النميمة تحصل أولا اذا ظهر بوجه عدلي أنّ ما وقع به القذف ليس بثابت وثانيا إذا لم يكن للقاذف أن يثبت القذف عندما يسمح له القانون بذلك والنميمة موجبة للعقاب ولو كان وقوعها بكتابة لم تنشر لدى العموم ولكن وقع اطلاع شخصين فأكثر عليها أو أنها أرسلت إليهم.
كما ينص الفصل 247 على أنه «يعاقب مرتكب القذف بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا» ويعاقب مرتكب النميمة بالسجن مدّة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينار ا.
أما إذا نظرنا الى القضية من وجهة نظر نشر التهم عبر وسائل الاعلام واختيار الاستناد الى المرسوم 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، فإنّ الفصل 56 يعاقب مرتكب الثلب من ألف إلى ألفي دينار.
التراشق السياسي إذن توجيه تهم متعلقة بالتآمر يحمل على عدّة أوجه إما أن التهمة في محلها وثابتة وبالتالي يتخذ القضاء مجراه وتثير النيابة العمومية الدعوى ويكون عقاب «المتآمر» حسب نصوص المجلة الجزائية، أو أن تلك التهم لا أساس لها وغير ثابتة فيكون من أطلقها مسؤولا قانونا ومرتكبا بالتالي لجرائم القذف والنميمة والثلب.
وفي كل الحالات يبدو أننا أمام جدل سياسي رهين استقطابات جديدة أوجدتها المرحلة الراهنة، لكن أحيانا يأخذ السياسي أبعادا تتجاوزه إذا ما كانت له آثار على ما يعرف بالصدام بين الجمهور وهو ما يهدّد الحركة السياسية برمتها ويبعثر عناصر المشهد، فهي قضية سياسية أكثر منها قانونية.