الطالبة خولة الرشيدي التي ضحت بنفسها وغامرت من أجل منع التعدي على الراية الوطنية في كلية الآداب بمنّوبة لا تنتمي لأي حزب سياسي ولا لأي طرف نقابي ...هل عملت الصدفة على أن تحمي خولة الطالبة المستقلة عن كلّ التجاذبات الإيديولوجية «العلم» رمز السيادة الوطنيّة من أيّ توظيف سياسي أو حزبي؟ آخر حادثة جدت بكلية منوبة ونرجو أن تكون الأخيرة في مسلسل الأحداث التي تتالت بشكل لافت للنظر وأحيانا مريب رفضها كل الشعب التونسي في كل جهات الجمهورية لأنها تتعدى العمل السياسي والفكري والإيديولوجي وتمس رمز الوطن الأول في سابقة خطيرة لم تحدث سابقا رغم بعض المظاهر الغريبة التي حدثت منذ الثورة. العلم رمز كل التونسيين الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات انتفضت بقوة ضد هذه الحادثة وهو أمر منتظر اعتبارا لجسامة ما حدث لكن الخوف أن يستغل البعض الواقعة لأغراض انتخابية أو لتصفية حسابات سياسية وهو أمر مرفوض اعتبارا لقدسية العلم ورمزيته في لم شمل جميع التونسيين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية . فعلى سبيل المثال قام بعض المعارضين للحكومة من الجمعيات المدنية بتجييش الرأي العام وتخويفه من الهول المنتظر من التيارات الإسلامية جميعها كما ربطت حركة مواطنة ربطا نرجو أن يكون بريئا بين زيارة وجدي غنيم وكل الاعتداءات التي حدثت منذ وصول الترويكا إلى الحكم وبين جريمة كلية منوبة واستغربت الحركة من عدم تحرك الحكومة لوقف هذا النزيف من الانتهاكات الذي وصل حد الخيانة العظمى. ومثل هذا الموقف جاء على لسان أكثر من طرف اتجه مباشرة نحو ضعف الحكومة وهو ما قد يوحي بسوء استغلال للحادثة إذا لم تتجه المواقف المذكورة إلى لمّ شمل التونسيين ضد كل أنواع التطرف والبحث عن كل نقاط التفاهم والالتقاء في ظرف لا يحتمل التصعيد ولا المزايدة من أي جهة. حادثة عرضية أم مقصودة؟ بالتوازي مع التنديد غير المسبوق بهذه الحادثة استغربت بعض الأطراف تزامن قضية منوبة مع كل فترة تشهد استقرارا ولو نسبيا للأوضاع وتتجه فيه الحكومة إلى فض بعض المشاكل على غرار توجهها لحل مشاكل الثلوج والفيضانات الأخيرة واستعدادها لتقديم الميزانية التكميلية كما يتساءل البعض عن هوية من قاموا بالعملية الأخيرة هل هم من السلفيين أم من المندسين المختصين في إثارة المشاكل تحت أي غطاء ولخدمة أجندات معينة رغم أن المواطن في الحقيقة مل هذه الاتهامات منذ فترة السيد الباجي قايد السبسي ويطالب بالكف عن الكلام والكشف عن كل من تخول له نفسه الاعتداء على الوطن من أي باب فللأسف الشديد حدثت خلال الفترة الأخيرة عديد التجاوزات على غرار رفع علم الجزائر الشقيقة من طرف بعض المحتجين على ما اعتبروه تباطؤا من المحكمة العسكرية فيما يتعلق بشهداء وجرحى الثورة والدعوة العلنية إلى الانفصال عن تونس وأداء نشيد بعض التيارات عوض النشيد الوطني وكذلك التغاضي عن الحالة الرثة للأعلام المرفوعة فوق المؤسسات الوطنية خاصة في الجهات الداخلية... المسؤولية جماعية وزير الداخلية الذي وعد بالقبض على المعتدين وتقديمهم للمحاكمة والتصدي لكل المعتدين على أمن البلاد أشار في المقابل إلى عدم جدية مسؤولي كلية منوبة في إيجاد حل نهائي لهذه المشكلة عوض استثمارها لأغراض حزبية تستفيد من التصعيد ولو إلى حين وهو نفس الموقف الذي عبر عنه النائب في المجلس التأسيسي السيد طاهر هميلة الذي استغرب تفاقم الأوضاع في كلية منوبة دون غيرها من الكليات. علما أن النائب طاهر هميلة تعرض للاعتداء اللفظي والسب والشتم من طرف بعض المحتجات المنتميات إلى بعض المنظمات النسائية أمام المجلس التأسيسي وقد تنازل عن تتبعها قضائيا واعتبر الحادثة تدخلا في إطار التطرف اليساري الذي لا يختلف عن تطرف اليمين وقال إنهما «وجهان لعملة واضحة» وتجدر الإشارة كذلك إلى تعرض النائبة سعاد عبد الرحيم عن حركة النهضة إلى الإعتداء أول أيام عمل المجلس التأسيسي ورغم أن الحادثتين لا تضاهيان في شيء التعدي على العلم المفدى فهما يشيران إلى خطورة النوعين من التطرف والمغالاة في استعداء الثوابت الوطنية التي تأصل فيها الشعب التونسي ومن الضروري كما جاء في بيان اتحاد الكتاب التونسيين نبذ العنف مهما كان مصدره وتكريس منهج الحوار لفض الاختلافات دون أن يعني ذلك السماح بالتعدي على المقدسات والثوابت الوطنية. ومع الأسف عمر تونس الديمقراطية لا يتعدى بعض الأشهر مما نتج عنه خلطا بين الحملات الانتخابية والمصلحة السياسية وبين الثوابت التي تفرض وقفة جماعية حازمة تجاهها وتأجيل العمل الحزبي الضيق ولو إلى حين والمطلوب من النخب السياسية التي هلت علينا بعد 14 جانفي واعدة بمناخ ديمقراطي سحري في أيام قليلة ان تؤسس للأجيال القادمة نمطا سلوكيا يقوم على الفصل بين المصالح الشخصية الضيقة والمصالح العليا للوطن حتى لا تعود إلينا الديكتاتورية من واجهات أخرى.