... سائق تاكسي طالب بأجرة العدّاد فتلقى طعنة أودت بحياته... عائلة شد وثاقها وتطعن الأم وابنها من أجل ملاليم... امرأة تضع حدا لحياتها أمس شنقا بشجرة منزلها وشاب يشنق نفسه بالطريق العام بقنطرة الكبارية وكهل يقفر من قنطرة نفزة... هل ارتفعت الجريمة في تونس؟... أم أنها كانت موجودة لكنها لم تخضع لعملية التشهير بها؟... هل للفوضى السياسية التي نعيشها منذ عام علاقة بارتفاع هذه الجرائم... من اغتصاب وقتل وسلب وانتحار... وسرقة... أم أنها وقتية مرتبطة بوضعية البلاد في انتظار أن يعود القانون فوق الجميع؟ أسئلة عديدة يطرحها الشارع التونسي اليوم... متخوفا من تفاقم الظاهرة من جهة ومن استمراريتها... لدرجة أنه من الممكن أن يطالب رسميا بوجود ديكتاتور وبعودة عصا البوليس المهمّ القضاء على خوف الطريق وخاصة ليلا. هل ارتفعت الجريمة؟ سؤال كثيرون يبحثون له عن اجابة واضحة هل ارتفعت نسب الجريمة في تونس؟ كيف؟ ولماذا؟ وهل يمكن فعلا ايجاد دراسة أو أرقام حقيقية عن هذه الجرائم، وبالطبع تكون الاجابة صعبة جدا في ظل عدة ظروف واضحة وجلية... لا يمكننا بأي حال من الأحوال مقارنة الجريمة بالسنوات التي خلت لأسباب عدة أوّلها وأهمها ان الارقام التي كانت تورد على وزارة الداخلية» لتجميعها لم تكن هي تلك الارقام التي يقع التصريح بها علنا فقد كان السعي طيلة السنوات الطويلة الماضية الى التخفيض بشكل ملحوظ جدا في الاحصائيات الحقيقية للجرائم المسجّلة خاصة تلك المتعلقة بجرائم السلب والسرقة والاعتداءات... فبات ما هو معلن غير ذاك الذي نعيشه على أرض الواقع...فعمليات السلب كانت موجودة فعلا وبكثرة خاصة تلك المتعلقة بالنشل... والتي اختصت بها أماكن دون غيرها.فما الذي تغيّر إذا؟عن هذا السؤال حاولنا التحدث الى الكثير من أهل الاختصاص في هذا المجال وكانت الاجابات تتمحور حول أن للص اليوم وجها آخر... إذ تصل به الوقاحة أحيانا الى تنفيذ عملية السرقة وسط الحضور مقتنعا ومدركا ان المجتمع كلّه يسير نحو اللامبالاة، وبالتالي فلن يجد أحدا يصدّه... بالأمس كان ينفذ جريمته تحت جنح الظلام وحين يكون الطريق خاليا من العابرين... اليوم أضحى بفعل ما يشاء نهارا ووسط الجموع... لذلك أضحت الجريمة معلنة أكثر من ذي قبل.هل تصح المقارنة؟هل تصح المقارنة إذا بين احصائيات الأمس واليوم؟ في ظل احصائيات غير دقيقة وغير صحيحة يكون الأمر صعبا جدا وغير قابل للمقارنة إلا في حالة العودة الى الارشيف الاصلي والحقيقي لوضع كل الارقام على طاولة النقاش خاصة منها النقاط السوداء التي سبق وأشرنا إليها في مقالات سابقة قبل أن يصبح الطريق العام نفسه هو نقطة سوداء. ثانيا لا يمكن المقارنة بين هذه الفترة من السنة والفترة التي سبقتها من العام الماضي يقول عنها أحد المختصين من المجال بفعل أن شهري جانفي وفيفري من سنة 2011 ارتبط بأحداث الثورة وانتفاضة الشعب وما ترتب عنها من حرق للنقاط الأمنية حيث أتلفت عددا هاما من ملفات القضايا والشكاوى التابعة للمواطنين اضافة الى عدم تسجيل كم كبير من الجرائم التي حدثت والتي دخلت بدورها في اطار الفوضى. جرائم مجانية .. مصرع أم واصابة ابنها مازال محتفظا به تحت العناية المركزة بفعل جريمة نكراء تم كشف ملابساتها مؤخرا وايقاف شابين من منطقة بئر الحسي اتضح وأنهما من داهما ليلا منزل هذه الأسرة الفقيرة لسلبها. واقعة أخرى جدت أول أمس انتهت بمصرع سائق تاكسي طعنا بسكين بسبب طلبه معلوم أجرته في نقل حريف وتتوالى القضايا الاجرامية على الساحة.. التي ربطها البعض بعلاقة مباشرة بأحداث السجون التي كانت سببا وراء هروب الآلاف من المجرمين من خلف الأسوار. كذلك بفعل الفوضى التي تعيشها والتي جعلت من الجريمة تتوالد بكثرة. بعد الهجمة التي حدثت على النقاط الأمنية. ظاهرة الانتحار بالتحدث عن الجريمة لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن ظاهرة الانتحار التي استفحلت فعلا. فلا يكاد يمر يوم واحد الا واستمعنا الى حادثة جديدة والتي لم تعد تشمل الكهول او الشباب بل ألحقت صفوف الأطفال الى قائمة المتشائمين وفاقدي الامل بانتحار آخر لطفل في الثالثة عشرة شنقا. قائمة الانتحار طويلة آخرها ما حدث قبل يومين اذ عمد كهل في عقده الخامس الى القاء نفسه من أعلى قنطرة نفزة مما أودى بحياته على عين المكان.شاب في الثلاثين من العمر عمد هو الآخر أول امس الى شنق نفسه في الطريق العام أمام ذهول العابرين بأن ربط رقبته الى حبل وشده الى قنطرة الكبارية حي النور غرب العاصمة تونس. مصرع امرأة شنقا نفس النهاية اختارتها امرأة في الثلاثين من عمرها عثر عليها امس تتدلى من شجرة أمام فناء بيتها. وما يمكن الإشارة اليه ان حالات الانتحار المرتبطة لربما بحالة الاكتئاب التي يعيشها التونسي اليوم هي وراء هذه الاحداث التي تتطلب اهتماما خاصا من أهل الاختصاص. الخوف من المجهول لا أحد ينكر أن التونسي أضحى اليوم يعيش خوفا حقيقيا من الشارع، وأضحى فاقدا للطمأنينة والهدوء حتى داخل منزله خوفا من التعرض الى السرقة مرفوقة بمحاولات قتل او التعرض للسلب والأهم التعرض الى الطعن.. فرجل الامن يرى أنه يقوم بالواجب في مكافحة الجريمة وان المواطن صار سلبيا وهو ما يتيح الفرصة للمجرمين للقيام بأفعالهم جهرا بفعل ان لا أحد قد يتدخل ليمنعه. والمواطن يشير الى كونه أضحى سلبيا مجبرا حتى لا يدفع فاتورة هو في غنى عنها اثر جرائم قتل ذهب ضحيتها أشخاص لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا إما التدخل بالحسنى لفض خلاف او لمنع جريمة من الحدوث. الجريمة في تونس اذن كيف يمكن دراستها؟ كيف يمكن معالجتها؟ والحال أننا لا نمتلك الحقائق والاحصائيات الفعلية لسنوات خلت وهل تكون هذه المرحلة هي مرحلة ظرفية بفعل الانتقال الذي تعيشه البلاد والذي ارتبط بالفوضى الخلاّقة.. وبسعي كل فرد الى نيل نصيبه من الثورة حسب قدرته وحسب ما يراه؟ أم أن الجريمة بدورها تحتاج الى دكتاتور ليضع حدا لكل هذه الفوضى؟