بكثير من الجرأة... وكثير من الوفاق، أمكن للتونسيين أن يمسكوا إرادتهم بأيديهم، منذ سنة ونيف فأطردوا بن علي وثاروا على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأرادوا لهذه الملفات بديلا وطنيا فيه القرار مستقل.. والطاقات البشرية متحررة من كل قيود.. لكن في وقت ما من هذه المسيرة التي بدأت حاسمة يوم 14 جانفي 2011 بدأ صوت العقل والتعقل يغيب عن تونس.. فأصبح المجال مفتوحا لبعض من الفوضى وبعض آخر من الانفلات... الثورة التونسية هي فعل شعبي استبق هزّات كان يمكن ان تؤدي بالبلاد الى ما لا تحمد عقباه، ولكن أمكن بفضل تضافر الجهود، جهود القوى السياسية والنقابية أساسا، ان تصل البلاد الى برّ الأمان الأول ونقصد الانتخابات التي أفرزت مجلسا وطنيا تأسيسيا مهمته الرئيسية كتابة دستور جديد للبلاد، يلبّي طموحات المحرومين والمقصيين وكل التونسيين الذين ضمّنوا شعارات الثورة والاحتجاجات السابقة لها والموالية، آمالهم وطموحاتهم وآلامهم حتى تكون تونس، دولة ديمقراطية يكون فيها التعبير عن الاختلاف بالفكرة لا بالعصا الغليظة او بالرصاص.. التنافس بين الفرقاء السياسيين أمر محمود.. والجدل بالفكرة كذلك أمر محمود لكن هذه المظاهر التي بدأت تعم شوارعنا، وشعارها البقاء للأقوى... والحكم لمن صوته أقوى وأعلى.. بدأت تمسّ من تونس الثورة وأهداف الثورة.. لنكن متفقين جميعا على قاعدة صلبة، قوامها النهوض بتونس، التي عمّت دواليب إدارتها المحسوبية والتراخي تجاه الفعل والواجب الوطنيين لنكن متحدين حتى نبعد شبح التخلف الذي أثثته الدكتاتورية وسياسة تكميم الأفواه... لنعلن جميعا سخطنا ورفضنا لكل مظاهر العنف بين التونسيين عندما يكون بينهم اختلاف فالاختلاف لا يجب ان يفسد للودّ قضية. تونس اليوم محط أنظار الصديق والشقيق والعدوّ. وهي تتهيأ الى طيّ صفحة مظلمة من تاريخها الحديث، صفحة لم يكن للمواطن فيها أية مشاركة. بالمقابل يفتح التونسيون ان هم راهنوا على صوت العقل صفحة مشرقة، قوامها مشاركة الجميع في قدّ المشهد الجديد لتونس: مشهد أساسه المشاركة السياسية الواسعة، وقبول الرأي المخالف على أساس انه صمّام الأمان للدولة الديمقراطية. مظاهر لم نعهدها من التونسي تلك التي تطالعنا بين الفينة والأخرى فيها بذور الفتنة وبذور الشقاق، في بلد أرسى دعائم الحضارة الانسانية من فنون وإبداع وعلوم ومعرفة... لذلك بدا حريا أن نتساءل الآن بالذات: لماذا غاب صوت العقل؟