ما إن هدأت الحرب الإعلامية المعلنة على موضوع الشريعة بعد سحب رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي البساط من تحت أقدام الرافضين، وفي الوقت الذي ظن فيه الكثيرون
أن الاهتمام سيتوجه نحو الملفات الحارقة كالفساد والأموال المنهوبة والتشغيل والاستثمار والسياحة خاصة أن ردود فعل العواصم العالمية جاءت مباركة لخطوة الشيخ الجريئة.
حتى اندلع فجأة قضيتان احتلتا بسرعة المنابر الإعلامية وتحلق حولها محللوا العادة هذا يضيف الماء وذاك يسكب الدقيق أما القضية الأولى فتتعلق بما اعتبروه دعوة أحد الوعاظ لقتل السبسي الذي بادر بسرعة برفع قضية وهو الذي حاول أكثر من مرة أن يظهر في جبة الحكيم المسالم.
قضية احتلت الصفحات الأولى للصحف والعناوين الأولى للبرامج الإذاعية. أما القضية الثانية فتتعلق بتحريض أحد المواطنين في كلمة ألقاها خلال تظاهرة شارع بورقيبة ضد اليهود بعض الأطراف سارعت مباشرة للاتصال بالجالية اليهودية في تونس ورموزها في أوروبا لمعرفة رأيها في هذا الخطاب «النشاز» وتنبيههم للخطر الداهم. الملاحظ في القضيتين الجديدتين هي طريقة التعاطي معها إعلاميا وسياسيا والذي كان من طرف واحد حيث حضرت الأطراف «الضحية» ولم تحضر الأطراف «المتهمة» في أغلب المنابر وهذا في حد ذاته يعتبر إخلالا حسب المتابعين.
ثانيا محاولات التضخيم والتهويل التي انقلبت إلى حد التحريض على «المتهم» وبذلك سقطت بعض الأطراف بعلم أو بغير علم في محاربة التحريض بالدعوة للتحريض هي استنكرت التحريض ضد المواطن الباجي قايد السبسي واليهود التونسيين بالتحريض على السلفية وبدفع وزارة الداخلية وحركة النهضة إلى ضرورة التصادم معها بالقوة وهي دعوة ليست جديدة بل انطلقت منذ مدة.
وتضخم الحديث حولها في المدة الأخيرة بشكل طرح أكثر من تساؤل حول الغايات والأهداف من الدفع للمواجهة والتشهير والتحريض في نفس الوقت ومحاولة التمييز حسب المظهر أو اللباس.
المجال ليس مجال نقد سلوكات بعض المنتسبين شكليا للتيار المصطلح عليه في بعض الأوساط «سلفية» بل في طريقة التعامل والتعايش معهم كما تراها بعض الجهات التي تربت وتدربت زمن المخلوع وحسب ما يبدو أنه ليس من اليسير عليها تغيير عقلياتها ونمط تعاطيها مع الظاهرة «الدينية» عامة و«السلفية» خاصة.
كل التجارب المحلية والخارجية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن التعاطي الأمني هو أسلوب الضعفاء فاقدي الحجة والقدرة على الإقناع وقد أثبت فشله في المقابل يبقى الحوار هو الحل والعلم هو السلاح الناجع والأزلي لتغيير الواقع والعقليات والذي من المفروض أن تدعو إليه النخب. طريق الحوار هو الطريق الذي انخرط فيه جل الشعب التونسي ما عدا أولئك الذين مازالوا يؤمنون أن تونس لهم وحدهم أحب من أحب وكره من كره.