تحت اشراف الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري, وبالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان والوكالة الاسبانيّة للتعاون الدولي من أجل التنمية, احتضنت مدينة سوسة على امتداد يومين فعاليات الورشة الاقليمية الثانية حول تحسين الرعاية الصحيّة للنساء في مجال الصحّة الانجابيّة. الأستاذة حبيبة الزاهي بن رمضان, الرئيس المدير العام للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري صرّحت ل«الشروق» بأن هذه الورشة تندرج ضمن سلسلة من الورشات التي تقوم بها مصالح ديوانها بكامل اقاليم بلادنا حتى يتمّ وضع استراتيجية للنهوض ببرامج وخدمات الصحّة الانجابيّة الموجّهة للمرأة, وستتوّج هذه الورشات بندوة وطنيّة سيتمّ تخصيصها للوقوف على مدى تحسّن الرعاية الصحية والانجابيّة للمراة وبيان مختلف الخدمات المتوفّرة في هذا المجال.
برنامج هذه الورشة تضمّن مداخلات عديدة قدّمها اساتذة ودكاترة اخصّائيون في المجال, حيث تمّ الافتتاح بمداخلة الأستاذة حبيبة بن رمضان التي كان محورها حول «التحوّل الايبيديمولوجي والخصوصيات الأنثويّة» ليتمّ على اثرها عرض لنتائج المسح الوطني حول العنف ضدّ المرأة في تونس والذي جاء فيه أن عدد حالات العنف التي تمّ تقصيها وتوجيهها نحو مختصّين في علم النفس وخدمات الصحّة الانجابيّة ,بلغ خلال السنة الأخيرة 2088 حالة أكّد العرض بأن برنامج الاحاطة بالنساء ضحايا العنف يرتكز اساسا على الاصغاء وتقديم المشورة والتوجيه من طرف أخصّائيي علم النفس , وتبعا لذلك تمّ تدعيم الاطار العامل بالمندوبيّات الجهويّة بمختصّين في هذا المجال مثلما تمّ توفير متخصصات في علم النفس للعمل بالتعاون مع الأطراف الجهويّة المختصّة في مجال الأسرة والطفولة والمنظمات غير الحكوميّة المعنية بشؤون المرأة.
خلال عرض نتائج المسح الوطني حول العنف ضد المرأة في تونس تمّ التطرّق الى دراسة قام بها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري وأنجزتها الأستاذة حميدة البور استخلصت نتائجها بأن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي موجود كموضوع صحفي بانتظام ويوفّر مادة اعلاميّة هامة تتناقلها صفحات صدى المحاكم في صحفنا اليومية والأسبوعية وبدرجات متفاوتة, وتتفق جميعها في عدم الاهتمام بهذا الموضوع في صفحات الشؤون الوطنيّة وصفحات المجتمع, مثلما أكدت هذه الدراسة على ان اهتمام الصحف بموضوع العنف ضدّ المراة يغلب عليه الجانب المناسباتي ويكون من خلال مقالات اخبارية بحتة وتقارير صحفيّة يطغى عليها الغياب الكلّي للريبورتاجات والتحقيقات ومقالات الرأي في هذا المجال.
الجدير بالذكر أن أبرز ماتوصّلت إليه الدراسة حسب الأستاذة حميدة البور أن الصحفيّات العاملات في اختصاص صفحات المجتمع تولين اهتماما اكبر للموضوع من الصحفيين الذكور وكأنه شأن نسائي بحت, مثلما أفادت الدراسة أن الصحف اليومية والاسبوعية تهتم أكثر بالعنف الجسدي الذي يدور داخل الأسرة والموجه ضد الزوجة بالخصوص مع محاولة ابراز اسباب العنف بأسلوب قصصي الهدف منه جلب انتباه القارئ واضفاء عنصر الاثارة حتى وان كان ذلك على حساب دقة الخبر,حيث تبدو صورة المرأة من خلال ما يتم نشره مدعاة للشفقة ويتم ابراز المعتدي في صورة بعيدة كلّ البعد عن الادميّة, وفي المقابل لا يوجد حسب الباحثة أيّ نوع من المعالجة الصحفيّة للتعمّق في جوانب مختلفة لهذا الموضوع للحدّ منه.
وتستخلص السيّدة حميدة البور, منجزة هذه الدراسة أن التناول الصحفي لموضوع العنف ضدّ المرأة لا يفي حسب رأيها بالحاجة من الناحية الكميّة والكيفيّة, وأكدت أنّه للحدّ من هذه الظاهرة يتحتّم العمل على تغيير العقليّات المبنيّة على التميّز بين الجنسين ولا يمكن أن يحدث ذلك من الناحية الاعلاميّة حسب قولها بالاقتصار على عدد محدود من المقالات تنشر في فترات متباعدة ويتم من خلالها رصد الظاهرة عموما وسرد المعلومات دفعة واحدة.ّ
وتناولت الدكتورة نجوى عبد ربّه اثناء مداخلتها حول التقصّي المبكّر لسرطان الثدي عند المرأة التوّنسية جملة من المعطيات مفادها أن سرطان الثدي يمثّل نسبة 30 بالمائة من مجمل السرطانات التي تصيب المرأة التونسية حيث يتمّ تسجيل قرابة 2000 حالة جديدة سنويّا منها 8.9 بالمائة لدى نساء لم تتجاوز أعمارهنّ ال 35سنة وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول الأوروبيّة حيث لا تتجاوز نسبة الاصابة فيها خلال هذا العمر أي دون 35 سنة, ال3 بالمائة, كما تمثّل نسبة الوفيات الناتجة عن السرطان حسب ما تفيد به السجلات الخاصة بالسرطان, 24 بالمائة من مجموع الوفيات ويعتبر سرطان الثدي أكثر السرطانات ظهورا لدى المرأة والسبب الرئيسي للوفيات بالسرطان لديها.
وأكّدت الدكتورة نجوى عبد ربّه على أن المشكل الاساسي في تونس هو اكتشاف الاصابة بالمرض في فترة متأخرة نسبيّا , أي عندما يتجاوز حجم الورم ال4 سنتيمترات , ممّا ينجم عنه مضاعفات خطيرة على صحّة المرأة وارتفاع تكاليف العلاج والمتابعة , مثلما أكّدت على أن التقصّي المبكّر لسرطان الثدي يمثّل أحد اهم العوامل التي تساعد على مكافحة هذا المرض الخبيث ,ويمثّل الفحص الماموغرافي والسريري للثدي الطريقة الأكثر نجاعة للتقصّي المبكّر لسرطان الثدي حيث يمكّن من اكتشاف الورم في اولى مراحله مثلما يمكّن الفحص السريري من اكتشافه ايضا حتى ولو كان حجمه صغيرا للغاية ولم يتجاوز السنتيمتر الواحد.
وفي ذات السياق ذكرت الدكتورة نجوى عبد ربه اثناء مداخلتها أنه تم التركيز على وضع استراتيجية وطنية للوقاية من سرطان الثدي بالتشجيع على التقصّي المبكّر لهذا المرض وابراز دور الاعلام في التثقيف والتوعية والتحسيس بذلك وتوفير الالات والمختصين والحلقات التدربية كما أكّدت الدكتورة على ان الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري ينكبّ على اعداد دراسة حول جدوى التقصي المبكر لسرطان الثدي عبر الفحص السريري والنظر في امكانية تعميم هذا المشروع على نطاق أوسع وتحديد كلفته المادية وقياس مدى تأثيره على عبء العمل من خلال التوقيت المخصص لعملية الفحص السريري.
وبخصوص وفيات الامهات في تونس ,أكّدت السيّدة ألفة السعيدي خلال مداخلتها في هذا الشأن ,بأن معدّل وفيات الأمهات يعتبر مقياسا لجودة الخدمات الصحيّة حيث يعكس المخاطر التي تواجهها الامهات أثناء الحمل والولادة التي تصل حدود 42 يوما بعد الوضع, وأن الوفاة أثناء الولادة, والتي يمكن تفاديها, لا تمثّل مأساة عائليّة فحسب بل تتجاوز ذالك لتمثّل كارثة اقتصادية واجتماعية حيث يحرم الطفل من العناصر الغذائية الاساسية لنموّه وفي احيان اخرى يحرم ايضا من فرصة الحصول على التعليم وغالبا ماتكون النفقات المتعلقة بالولادة السبب الاول لاغراق الأسر في براثن الفقر.
وتفيد اخر الاحصائيات المقدّمة خلال هذه المداخلة ,حول وفيات الامهات ,أن المعدّل قد انخفض في تونس بنسبة 35بالمائة الى حدود سنة 2010 بعدما كان في حدود 68.9 حالة وفاة لكل مائة ألف ولادة حية ليصبح 44.8حالة وفاة وتمثل الاسباب المباشرة 67.2 بالمائة بسبب النزيف والاسباب غير المباشرة 32.8بالمائة وهي تتعلق في غالبيتها بامراض القلب والشرايين.
هذا وقد أكدت السيدة ألفة السعيدي انه تم اتخاذ جملة من التوصيات للحد من حالات الوفايات اثناء الولادة وتتمحور هذه التوصيات في ضرورة توفير خدمات التنظيم العائلي وتدعيم التربية والتعليم وتحسين الوضعية الاقتصادية للسكان بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة وايضا تقديم توصيات تخص المرأة في فترة ماقبل الولادة خلال فترة ماقبل الولادة.
كما جاء في التوصيات بضرورة تحسين نوعية الخدمات في اقسام الولادة والعمل على المزيد من البرمجة التكوينية والرسكلة للاطار الطبي وشبه الطبي في هذا المجال وبضرورة الاهتمام بالمضاعفات الصحية للأم بعد الولادة وتدعيم المراقبة بعدها.
هذا وقد شهدت الورشة الاقليمية الثانية حول تحسين الرعاية الصحية للنساء في مجال الصحة الانجابية انتظام عدّة ورشات اهتمت بهذا المجال شارك فيها عديد الممثلين لجهات سوسة والمهدية والمنستير وصفاقس وأيضا قابس في انتظار المواصلة في هذه الورشات بجهات اخرى من البلاد .