برغم ما شاب مؤخرا تصريحات السيّد فوزي اللومي مؤخرا من توتّر شديد جرّاء خروج 6 أحزاب من الحزب الوطني التونسي الإطار الّذي كان مؤهّلا لتوحيد كامل العائلة الدستوريّة ،
برغم ذلك بدا في حديثه معنا هادئا وكأنّ بعض الأمور قد تمّ تجاوزها وأنّ العلاقة مع «الحزب الغريم» –أي حزب المباردة- في طريقها إلى التسوية.
كيف تقرؤون الوضع العام الحالي في البلاد؟
الوضع الحالي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة محاور الوضع الاقتصادي والوضع الاجتماعي والوضع السياسي ، بالنسبة للوضع الاقتصادي هو وضع صعب جدا بشهادة الجميع ، فنسبة النمو تقلصت هذا التقلّص كان في 2011 (– 2 ) والتوقعات في 2012 ( 2 + ) فالمعدل في السنتين سيكون صفرا ، سنتان دون نمو هذا أمر صعب ومعقّد على اقتصاد البلاد وهذا ما يترك الاقتصاد في وضع حرج وعلى الحكومة أن تتخذ إجراءات فورية للخروج من هذا الظرف، وفي اعتقادي لا بد من اجراءات سريعة ناجعة حتّى نقدر على الخروج من الوضع الحالي.
بالنسبة للظرف الاجتماعي المشكل الرئيس هي البطالة التي ما تزال ترتفع والوعود الانتخابية لا يُمكنها أن تحقّق الكثير بالنسبة للتشغيل والتنمية الجهوية ، كانت الوعود غير واقعيّة وكانت بالأساس انتخابيّة والمواطن التونسي لم يعد بإمكانه الانتظار فالاعتصامات والإضرابات وغلاء المعيشة هي ألم الشعب.
بالنسبة لوضع السياسي المزايدات بين الأحزاب والعدد الكبير للأحزاب وعدم القدرة على التحالف بصفة واضحة وهادئة ورصينة تركت الأمور تظهر على أنها مضطربة وفي الانتخابات القادمة إذ لم يتناقص عدد الأحزاب فستكون النتائج مشتتة ولا تعكس إرادة الشعب ولن تكون هناك تمثيلية واضحة للشعب التونسي ، حاليا 90 في المائة من النساء في التأسيسي يمثلون حزبا واحدا فهم في الحقيقة لا يمثلون التنوّع الموجود في تونس ، هذا يقتضي مراجعة القوانين ، كبار السياسيين الذين لهم شعبية عليهم أن يحاولوا تقريب وجهات النظر بين مختلف الأحزاب حتى تصفى الأجواء في مختلف التيارات السياسية في البلاد.
بالنسبة للبرامج لا بد من برامج وطنية وليست برامج أحزاب ولا بد من الكف عن التجاذبات الضيّقة والاتجاه نحو البرامج الوطنيّة الوفاقيّة فهي الضامنة لسير البلاد نحو الأفضل.
هل تقولون بمفهوم «الأزمة الخانقة في البلاد» الذي تتمسّك به بعض أطراف المعارضة؟
أنا أرى أنّه من الطبيعي وجود أزمة كبيرة خاصة على مستوى النمو الاقتصادي والحالة الاجتماعية والمشهد السياسي المشتت ، ولكن أنا أعرف أنّ التونسيين سيتجاوزون هذه الأزمة لأنّهم مثقفون وقادرون على تجاوز مثل هذه الأزمات، وقد عاينا هذا على مر تاريخ البلاد حيث كانت تونس من أفضل الدول في إفريقيا وفي المنطقة ودائما تبقى النموذج.
وفي نظري لا وجود لأفق مسدود، بالعكس أرى أنّ هذه الأزمة ضروريّة وهي طبيعية بعد الثورة، صحيح أنّه كان بالإمكان أن تكون أخف ولكن هذا أمر طبيعي، والمطلوب في اعتقادي أنّه لا بدّ من تنازلات بين مختلف الأطراف لتحقيق وفاق، لا بدّ من أنّ كل طرف يقوم بخطوة تجاه الآخر ولا بدّ كذلك من انجاز المصالحة الوطنيّة ، النجاح كما يقول اليابانيون لا يكون إلاّ بتظافر الجهود لأهداف موحّدة ، إذا لم يحدث ذلك سنبقى مشتتين وستخسر البلاد المزيد من الوقت ولن يكون بإمكاننا حل مشاكلنا، لا بدّ من تسطير الأهداف والاتفاق حولها ثم نذهب رأسا لتحقيقها، مثل الدستور علينا أن نوحّد الرؤية إليه ونسرع إلى صياغته ونتجاوز كلّ الأهداف الحزبيّة والضيّقة لفائدة الأهداف الوطنية الكبرى وهي ضمان الاستقرار والاستعداد للمرحلة القادمة بما فيها من انتخابات وتركيز السلطة الدائمة.
صرّحتم بأنّ حزبكم عُرضة إلى مؤامرة وأنّ حزب المبادرة طرف فيها...ماذا تقصدون؟
نحن في الحزب الوطني التونسي هدفنا هو توحيد العائلة الدستورية والتفتّح على تيارات أخرى، الحركة الدستوريّة هي حركة إصلاحية وبها تيارات فيها الإصلاحية المحافظة وهناك تيار إصلاحي حداثي وهناك تيار إصلاحي تقدمي، أردنا أن نعود إلى الماضي حيث التنوّع في إطار واحد مع ضمان هذا الانفتاح ، تحدثنا مع كلّ الأحزاب التي لها خلفية دستورية وبدأنا في عملية التوحيد، كما كانت لنا فكرة في إلغاء الزعامات حتى يتمّ النجاح، «حزب المبادرة» قال حينها سألتحق بكم حينما يتمكّن من تجاوز بعض مشاكله الداخلية وكان حزب المبادرة أوّل حزب طرحنا عليه التوحيد، وعوضا أن يأتي هؤلاء بطريقة حضاريّة قاموا بتنفيذ مؤامرة داخل حزبنا لإفساد العملية.
ولكن المؤامرة غير ناجحة لأنّ الأطراف الّذين نفذوها أناس ظهروا أناسا انتهازيين، والحزب الوطني التونسي سيواصل برنامجه هذا مع العلم أنّ العديد من هياكل الأحزاب الملتحقة بحزب المبادرة رفضت الاندماج وخيّرت البقاء في حزبنا.
إذن العلاقة متوتّرة مع حزب المبادرة؟
لا، حزب المبادرة حزب أخ ونحن دائما مستعدون للحوار والتواصل ولم لا الاندماج والعمل المشترك ونحن عاقدون العزم على طي هذه الصفحة ونأمل أن لا تتكرّر مثل هذه المسائل ، خاصة أنّه ليس لنا من خيار إلاّ العمل معا لكي نتقوّى ونضمن وجودنا الفاعل والمؤثّر في المشهد السياسي ، فنحن ننتمي إلى نفس العائلة السياسيّة.
هل هناك أفق لاستعادة الثقة بينكم وبين السيّد كمال مرجان؟
الثقة موجودة دائما بيني والسيّد كمال مرجان ونحن نعتبر أنّ ما جرى سحابة صيف وأنّ ما يجمعنا أكثر بكثير ممّا يفرّقنا، وأنا على قناعة بأّنا سنجد حلا لتجاوز هذا الأزمة بكلّ أخوّة وفي صالح الوطن وأنا لا اشكّ في أنّ السيّد كمال مرجان له نفس الإحساس، لسنا في حرب ولكن «لعلّ فيها خير».
وأنا أدعو كبار العائلة الدستوريّة وخاصة منهم السادة الباجي قائد السبسي وحامد القروي ومنصور معلّى إلى التدخّل لفض الإشكاليات القائمة وتوحيد العائلة الدستوريّة بصفة توافقيّة لأنّ تواصل الوضع على ما هو عليه سيُضيع عنّا المزيد من الوقت.
لكن البعض يوجهون نقدا لكم لتباطئكم في هيكلة حزب الوطن التونسي على مستوى الجهات والهياكل القياديّة وتنفيذ عملية الاندماج القانونيّة بين كلّ مكونته؟
عندما بدأنا توحيد الأحزاب الدستوريّة، كانت هناك إشكالية الزعامة، الجميع يريدون أن يكونوا رؤساء فقررنا تشكيل مكتب سياسي يضم رؤساء الأحزاب وتعيين منسق عام لتنسيق عمل الحزب، وأنجزنا عملا كبيرا مثل تغيير اسم الحزب وشعارات جديدة ، واتفقنا أن نأخذ اسم الحزب الإصلاحي الدستوري لكي يتم الاندماج فيه وحل بقية الأحزاب قانونيّا والتزم الجميع بذلك ويتم الانصهار في الحزب الموجود وبدأنا في توحيد الهياكل ، انتهينا منها بصفة 90 في المائة وبدأنا نشتغل وركّزنا لجنة مركزية فيها المكاتب السياسية لكلّ الأحزاب وبدأنا في الأنشطة الفكرية ونظمنا 3 ندوات حول صياغة الدستور والانتخابات ومسائل مختلفة و10 لجان قارة لبرنامج الحزب متوجّهة للوزارات ومقسمة حسب القطاعات ولجان غير قارة لصياغة الدستور والعدالة الانتقالية والشهداء وجرحى الثورة، وهناك لجان لتسيير الحزب. بالعكس ممّا يروّجه البعض، فلقد أنجزنا عملا طيبا وكان الباب مفتوحا لالتحاق أحزاب أخرى ومنها حزب المبادرة وكنّا نتطلّع إلى التوحّد وانتخاب رئيس للحزب بكل ديمقراطيّة.
حقيقة، ما هو جوهر الخلاف بين الدستوريين حاليّا؟
الدساترة هم أربع أنواع ، الأوّل من خرجوا بعد 7 نوفمبر 1987 مباشرة ورفضوا حينها التجمّع حزب بن علي والدخول فيه، وهناك صنف آخر من أكملوا العمل في التجمّع وبقوا فيه وهؤلاء فيهم نوعان هناك من بقي فترة قصيرة ثم خرج ومنهم من بقي إلى آخر الوقت ، وهناك الشباب الّذي دخل في التجمّع هم كذلك دستوريون لأنّ التجمّع كان يتكلّم باسم المبادئ الدستوريّة وهؤلاء ليس عليهم أيّ وزر.
والفرق بين الدساترة والتجمعيين أنّ الدساترة ليس لهم أيّ انتهازيّة والتجمعيون فيهم الصادقون والأوفياء للفكر الدستوري وهم أغلبية وفيهم أقلية انتهازيّة جاءت للحزب للتمّعش وتحقيق المصالح الشخصيّة الضيّقة والدليل أنّ غالبية هؤلاء الانتهازيين قد التحقوا بأحزاب أخرى بعد الثورة.
لا وجود لخلاف عميق اليوم ، ولكن هناك تشتت بسبب الزعامات على المستوى الوطني والجهوي ، وهذا الأمر يُضاف إليه التنوّع داخل العائلة الدستوريّة والّذي أدّى إلى تأسيس أحزاب وفق التيارات الموجودة وهذا أمر طبيعي بعد أن تمّ حل حزب التجمّع ، واليوم المطلوب هو توحّد كلّ هذه التيارات.
في اعتقادك كيف يُمكن تحقيق ذلك وتجاوز مسألة الزعامات؟
الحل هو حزب بلا زعامات إلى حين اكتمال الاندماج بين كلّ العائلة الدستوريّة وحينها يتمّ انتخاب القيادة، تلتقي كلّ الزعامات ثم ينتخبون في ما بينهم زعيما واحدا.
هل للموقف من مسار الانتقال الديمقراطي علاقة بذلك الاختلاف؟
لا أبدا، الدستوريون فرحوا بالثورة وهم يؤكّدون باستمرار انخراطهم في مسار الانتقال الديمقراطي وهم يعبرون عن انفتاحهم على كلّ الأطراف خدمة للمصلحة الوطنيّة بعيدا عن كلّ الحسابات الضيّقة أو الفئويّة أو الجهويّة.
البعض يُروّجُ أنّ انسحاب عدد من المكوّنات من حزب الوطن جاء في أعقاب تصريحات لكم تمتدحون فيها رئيس الحكومة الحالي ولا ترون فيها حرجا في ربط علاقات مع حزب حركة النهضة..ما صحّة ذلك؟
نحن وبوضوح ، بالنسبة لحركة النهضة ليسنا لنا معها أيّ مشكل للحوار معها وليس لنا أي عداء لهم هم تونسيّون ، وهذا الكلام ليس فيه حرج لمن كان معنا وغادرنا، ونحن قلنا تونس قبل كلّ شيء ، نحن لسنا منخرطين في صراعات هامشيّة ، ونحن نأمل في أن نكون عنصرا لتحقيق التوازن في الساحة السياسية ونتعامل مع الأمر الواقع ومع سائر الأطراف بنديّة خدمة للبلاد.
ولا أُخفيك سرّا أنّ هناك أناسا خرجوا عن الحزب الوطني التونسي كانوا يردون مجابهة النهضة ويضعونها كعدو والحمد لله أن خرج علينا هؤلاء ، نحن دعاة حوار بين كلّ التونسيين ولسنا دعاة صدام أو تناحر أو مواجهة ، هم يعتبرون أنّ العدو والأولوية هي محاربة النهضة مواجهتها ، ونحن عكس ذلك ليس لنا عداء مع النهضة ولا غيرها من الأحزاب أو العائلات الفكريّة والسياسيّة في البلاد ، ما يهمّنا هو النهوض بتونس وإنقاذ اقتصادها وإنجاح مسار الثورة والانتقال الديمقراطي.
أنتم تعلنون المرجعية الدستوريّة والبورقيبيّة...البعض يقول أنّكم مطالبون بإجراء نقد ذاتي حول حقبة حكم الرئيس بن علي حتّى يقبلكم الشعب؟
نحن خدمنا البلاد بكل وطنيّة وبكل جدية وإذا كانت البلاد أمس واليوم هي من أحسن البلدان في المنطقة فهي بخدمة الدساترة والتونسيين بصفة عامة، نحن لم نضع بن علي في الحكم بل جاء إليه بانقلاب ، ومن واجب الشعب التونسي أن يشكر الدستوريين على ما أنجزوه من عمل ، لقد عمل الدساترة ما في وسعهم لكي تتمّ المحافظة على البلاد برغم الانزلاقات وبرغم الفساد الذّي كان موجودا ، نحن قاومنا الفساد بطرقنا وبما أمكن لنا فعله ، ولسنا مسؤولين عن فساد غيرنا ، ومن أفسد أو تورّط في الفساد أو القمع فهناك القضاء لينظر في ملفاتهم ، ومن غير الطبيعي أن تتم محاسبة عائلة سياسيّة كاملة بسبب أخطاء بعض أفرادها.
كنتم من بين المتحمسين لمبادرة السيّد الباجي قائد السبسي وأكّدتم أنّكم كنتم من بين الأطراف التي وقفت على إنجاح اجتماع المنستير الأخير...في ماذا تلتقون مع هذه المبادرة؟
نحن سائرون في دعم مبادرة السيّد الباجي قائد السبسي والتي هدفها تحقيق توازن سياسي في البلاد وإنشاء حزب كبير يكون قادرا على أن يكون له حجم يمكّنه من المشاركة في الحكم والتداول على تسيير شؤون البلاد في إطار الديمقراطيّة والتوازن بين الأحزاب ، وهذه هي الضمانة لعدم العودة لهيمنة الحزب الواحد.
ما هي نظرتكم لآفاق مبادرة السيّد الباجي قائد السبسي..؟
أنا لدي إيمان بأنّ المبادرة ستنجح لأنّ الشعبية التي للسيّد الباجي قائد السبسي اليوم قادرة أن تستقطب أطرافا من تيارات سياسية مختلفة ومتكاملة وتكون هي فرصة لتجنّب كلّ الزعامات وكلّ الأشياء التي تفرّق بين الناس المتحمسين لها.
لكن هل من الممكن أن يلتقي الدستوريون مع غيرهم من القوى التي تصف نفسها بأنّها حداثيّة وتقدميّة..وان تمّ هذا التلاقي فعلى أيّة أرضيّة فكريّة وسياسيّة ؟
الفكر الدستوري هو فكر وطني إصلاحي وأعتقد أنّه لا يوجد تونسي واحد لا يؤمن بهذا الفكر الّذي بدأ مع زعماء الإصلاح والحركة الوطنيّة ، هو فكر مجمّع بين كل التونسيين ، لذلك فمن الممكن الالتقاء مع الحداثيين والتقدميين على قاعدة العمل الديمقراطي التعددي والانتصار للهوية العربية الإسلاميّة التي هي اليوم كذلك محل إجماع وهي أي الهوية مؤصلة في الفكر الدستوري ولا يُمكن أبدا العدول عنها تحت أيّ يافطة أو شعار.
وأنا أدعو كلّ الأطراف السياسية إلى إعادة قراءة الفكر الإصلاحي التونسي للوقوف عند حقيقة أراها هامّة وهي أنّنا جميعا شركاء في ذلك الإرث وأنّ ما يجمعنا أكثر ممّا يُفرّقنا.