في مثل هذا الزمن الذي «تنحر» فيه القيم وتقلب فيه المفاهيم رأسا على عقب يصبح للجلاد «الحق» في أن يتباهى بجبروته وظلمه... وللمجرم «الحق» في أن يتفاخر بجرمه... أو هكذا هي الصورة اليوم على ما يبدو بالنسبة الى البعض في فرنسا... نعم، فقد أعلنت دار المزاد العلني الفرنسية «كورنات دون سان سير» بيع أدوات استعملت في تعذيب الجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية وذلك قبل أن تتراجع إثر حملة ضارية قادها جزائريون وفرنسيون... لكن السؤال هنا، من يحرّك مثل هذه التصرفات... وما معنى أن يتم عرض أدوات التنكيل بالجزائريين وتعذيبهم وتنفيذ حكم الإعدام ضد الآلاف منهم في مزاد علني خلال السنة التي تتزامن مع الاحتفال بمرور 50 عاما على نهاية آخر عصور الاستعمار والاستعباد من قبل أدعياء العدالة والحرية والديمقراطية؟.. ثم ما المعنى والمغزى من وراء مثل خطوة كهذه ليس من شأنها إلا تغذية الأحقاد وإبراز الهمجية الاستعمارية؟ إن ما أتته الجهات الفرنسية التي كانت وراء فكرة إقامة مزاد علني على أدوات التعذيب التي كان يستخدمها الفرنسيون في تعذيب المناضلين الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي في القرن الماضي لا يمكن إدراجه إلا في خانة «العار» والسلوك الاجرامي والانحطاط الأخلاقي ذلك انه كان الأولى بفرنسا أن تبادر الى الاعتراف بتلك الحقبة الاستعمارية ومن ثم الاعتذار للشعب الجزائري ولكل الشعوب التي وقعت تحت نير استعمارها بدل التباهي بصفحة مظلمة في تاريخ العلاقة مع هذه الشعوب... ... وبالتالي، مهم أن «تجهض» الدولة الفرنسية فكرة إقامة هذا المزاد العلني... ومهم أيضا ان يصف وزير الثقافة الفرنسي الجهة التي وقفت وراء هذه الفكرة بالوحشية والمرضية وبأنها تثير تساؤلات تاريخية مؤلمة، لكن ذلك لا يكفي... لأنه كان على فرنسا أن تواجه مثل هذه الأساليب باجراءات ردعية وعقابية صارمة... وأن تتخذ قرارات جدية في هذا الاطار... قرارات من شأنها أن تطوي، بلا رجعة، صفحة الاستعمار... وتعيد لكرامة الشعوب التي استعمرتها الاعتبار. «الشروق» تسلّط الضوء على أبعاد وخلفيات فكرة عرض أدوات تعذيب الجزائريين في فرنسا، في عدد جديد من ملفات «الشروق» العالمية.