بعد مواكبته لندوة الإصلاح التربوي، وافانا الكاتب وأستاذ الفلسفة سفيان سعد الله بمقال استعرض فيه رؤيته للإصلاح ننشره كما هو. «من المهمّ عقد ندوة، بل ندوات في الإصلاح التّربويّ، فقد حان الوقت -بعد اندلاع الثّورة- لتفكيك منظومة الاستبداد بكلّ أشكالها «المادّيّة» والرّمزيّة، وقد يكون الفساد الّذي نخر مؤسستنا التّربويّة أشدّ خطرا على أجيالنا، وإلاّ كيف نفسر ظهور العنف داخل الفضاء المدرسيّ وخارجه؟ وكيف نفسّر حالة الإحباط الّتي يعاني منها أصحاب الشهائد العاطلين عن العمل؟ وكيف نفسّر عزوف التّلاميذ عن الدّراسة؟
إنّ من أهمّ إخفاقات المنظومة التّربويّة بروز هوّة بين المؤسّسة التّعليميّة والمجتمع، وبين البرامج وقيم المجتمع ونظمه السّلوكيّة إلى حدّ الاعتقاد في أن المستوى العلميّ لا يؤهّل المتعلّم للاندماج في الحياة الاجتماعيّة والثّقافيّة، وتزداد الهوّة اتّساعا عندما يصطدم المتخرّجون من المؤسسات التعليميّة بعوائق التشغيل وضيق الأفق المهني. ولو تأمّلنا جيّدا من جهة أخرى، في الواقع التربوي اليومي للتلميذ، فماذا ترانا نلاحظ؟
يدرك المتعلّم أنّ مناهج التّدريس تقوم على «التّعليمة» و«التّعليمات»، وأنّ نظام التّربية هو نظام المراقبة والمعاقبة، وهو ما يؤكد أن المؤسّسة التّعليميّة ليست مؤسسة تربويّة، بمعنى الكلمة، بقدر ما هي مؤسسة تندرج ضمن «سياسة تربويّة» قوامها المنع و « القمع» بدل الحوار الحقيقي و التوجيه الحكيم.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الإصلاح التّربويّ يقتضي مراجعة كلّ العناصر المكوِّنة للمنظومة التّربويّة في كل مراحلها، بدءا من رياض الأطفال، ووصولا إلى المرحلة الجامعيّة. وتشمل المراجعةُ البرامجَ، والمناهجَ، ونظام الامتحانات، و مسالك الاختصاصات... والتّفكير في تشريع أسس المنظومة التّربويّة الجديدة وضبط غاياتها الإستراتيجيّة. ومن أهم شروط تحقيق ذلك، الابتعادُ عن الأساليب «النّوفمبريّة» من تعيينات فوقيّة مرجعها منطق الولاء الإيديولوجيّ والمصالح الماديّة.
ولا يكون الإصلاح التّربويّ بعقد ندوة في تونس-المركز فحسب، وبتخصيص سيارات أو حافلات الإدارات الجهويّة لتأمين نقل عدد معيّن من المدرّسين والتّلاميذ والإداريّين إلى تونس لحضور أشغال النّدوة في مظهر « احتفالي» يذكّرنا بالطّقوس «النّوفمبريّة». أليس من الجدير اليوم تغيير أساليبنا في معالجة الوضع المتردّي؟ وهل يتمثّل دور المدرّس في الحضور والاكتفاء بالاستماع « لخبراء» البيداغوجيا؟ وهل لا يزال خبراؤنا اليوم يستنسخون مناهج الغير المرتبطة بواقعهم وأهدافهم، ويؤثرون الاتّباع؟
تحتاج عملية الإصلاح إلى معرفة بإمكاناتنا ووسائلنا، ومراعاة خصوصيّات واقعنا، والعمل أساسا على وضع مبادئ هي مبادؤنا، ورسم أهداف هي أيضا أهدافنا، مع إمكانيّة الانفتاح على تجارب الآخرين للاستفادة منها، لا لمحاكاتها واتّباعها -كما لو كانت تجارب أنموذجية -بدعوى الإصلاح والتّحديث.
لا ريب في أنّ الإصلاح التّربويّ هو هاجس كلّ الأطراف الفاعلة حقيقة في الفضاء التّربويّ. فهل وقع استدعاء متفقّدي التّربيّة من كافّة الاختصاصات والجهات؟ إنّنا نحتاج في تشخيص الواقع التّربويّ إلى تصورات أهل الميدان والاختصاص. فهل كان من بين المحاضرين رجال التّدريس بالتعليم الأساسي والإعدادي والثانوي أم بقي أسلوب العمل أسلوبا انتقائيّا فوقيّا، فأيّ إصلاح هذا؟ .