تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو مجتمع الثقافة أم مجتمع المعرفة!؟
المنظومة التّربوية
نشر في الشعب يوم 28 - 01 - 2012

الرّهانُ على نمطين من المجتمع الذي نريد، مجتمع الثّقافة أم مجتمع المعرفة!؟
الارتكاز على نمط بيداغوجي قائم على الكم أو نمط بيداغوجي قائم على الكيف؟
الحديث عن تجويد الفعل التّربوي أو جودة التّربية؟
أو التّأسيس التّربوي الجديد تناغُمًا مع الحدث التّاريخي «المجلس الوطني التّأسيسي» وصياغة الدستور الجديد.
هذه أسئلة تحتاج إلى تشخيص الظّاهرة التربوية وتحليل مراجعها القانونيّة وإزاحة ما يمكن إزاحته ووضع المقترح كضابط جديدٍ يمكن الاعتمادُ عليه.
أوّلا، النّظام التّربوي التّونسي قائم على الكم لأنّ النظام السّياسي بدوره قائم على الكم فالانتخابات تلامس نسبة 100٪ وحقوق الانسان مضمونة تقريبًا 100٪ والتّنمية والنّمو يكادُ يتجاوز نسبة النّموّ في الصّين والبنية التحتية سليمة 100٪ وهكذا...
والتربية موصوفة بكثرة المواد، كثرة المفاهيم، ارتفاع نسبة التّمدرس، ارتفاع نسبة النّجاح، كثرة الكتب المدرسيّة، كثرة التّوقيت المدرسي، كثرة اللّجان «المختصّة»، كثرة استيراد الأنماط، كثرة القوانين الارتجالية، كثرة الاجتماعات التّكوينية... أي جعجعة دون طحين.
وعلى هذا الكم تخصّص الدّولة ما يقارب 8٪ من ناتجها المحلّي الخام للإنفاق على التّعليم بينما المستوى العالمي لا يتعدّى 5٪ أي أنّ 3٪ مخصّصة للنّهب والصّفقات المشبوهة ولا تخدم بذلك التّعليم ومؤسّساته فزاد ذلك في تأزّم المنظومة التّربويّة ممّا جعلها فاشلة وهي بمثابة «تركة الرّجل المريض»: تركة المعضلة البيداغوجيّة وتركة المعضلة التنظيميّة.
I) المعضلة البيداغوجيّة:
يتجسّد ذلك في حشو البرامج بعدد فاحشٍ من المواد الضّخمة دون التّمييز بين ما هو جوهري وماهو تكميلي.
فاللّغات والرّياضيات تعالج على قدم المساواة مع المواد التّكميلية كالتّربيات والتّاريخ والجغرافيا ممّا يجبر التّلاميذ على الحفظ العقيم دون فهم أو تمحيص، وهذا يؤدّي في معظم الحالات إلى تفوق تلميذ بالأعداد المرموقة في المواد التّكميليّة (تربيات) على تلميذ آخر يتقن أحسن منه بكثير المواد الجوهريّة (لغات حساب) وهذه الطّريقة الجمعيّة تجعل الضّعف يتراكم فينتج عن ذلك الرّسوب فالانقطاع عن الدّراسة وهو ما يفضي إلى:
تبذير فادح لطاقات للبلاد المادية والبشرية.
نبذة المعرفة دون المعايير الدّولية.
تفشّي ظاهرة الغشّ والمراوغة والتّواكل.
استمرار التّباين بين الفئات الاجتماعية (سياسة الانتقاء).
II) المعضلة التّنظيميّة:
إنّ احتكار الادارة المركزية للقرار وطريقة التّدريس والتّقييم التي تجعل المدرهس مُطبّقًا للمناشير والأدلّة البيداغوجيّة بصورة ميكانيكيّة وكذلك المسؤول الاداري (إدارة مدرسة إدارة معهد...) فهو يطبّق المناشير الاداريّة والماليّة والمذكّرات بصفة آلية، فلا اهتمام بالخصوصيّة والمحليّة، أي تنظيم أساسه مركزيّة مجحفة في التّصرف والتسيير دون تعبئة القوى البشريّة الفعّالة.
الخلاصة:
معضلة بيداغوجيّة تتجسّد في نمط بيداغوجي قائم على الكم ومعضلة تنظيميّة ترتكز على المركزيّة المجحفة والقرار السّياسي وتزداد الحالة سوءًا في التّعليم العالي وتتجلّى في:
تراجع فادح لمستوى الطّلبة اللّغوي فلم يعد الطّالبُ يعوّل على أخذ مذكّرات الدّروس بنفسه بل يعمل على الحضور للأستاذ الجامعي الذي بدوره يعتمد على الإملاء السّرديّة الغامضة والعقيمة في مدارج عملاقة عوض الإلقاء والتّوضيح والنتيجة:
 إهدار الوقت
 تدهور المستوى المعرفي لعموم الطّلبة.
 عدم التّمكن من أصول اللّغة (عدم بناء أو تحرير لمقال)
 فقدان الطّالب القدرة على التّصرف في زاد المعرفة المتوفّر لديه واعتماده على سرد المقاطع دون فهم.
ولسَتْر هذا الفشل عملت سلطة الاشراف على التّقطيع السّنوي المدرّس في جلّ الاختصاصات إلى جُزَيْئات سداسيّة وإكثار عدد المواد، كما ضاعفت الامتحانات: إجراء امتحان كتابي لكلّ المواد مرّتين في السّنة والحال أنّ الامتحانات كانت تُجْرى فقط في المواد الجوهريّة ومرّة واحدة في السّنة.
كما أنّ تقييم الطّالب يعتمد على الطّريقة الجمعيّة لعشرات الأعداد الكتابيّة دون التّمييز بين ماهو جوهري وماهو تكميلي، وهذا يؤدّي إلى ارتفاع نسبة النّجاح لكن بضعف معرفي فادح لأنّ الطّالب يخصّص وقته للحفظ عوض الدّراسة والأستاذ الجامعي يخصّص وقته للحراسة والاصلاح.
المفارقة:
بروز نموذج حامل الشّهادة العليا لإجازة بامتياز في حين مستواه في المواد الجوهريّة هزيل للغاية لفقدانه معرفة الفعل.
وهذا يعود أيضا إلى التّوجيه القسري للطّالب الذي يفضي إلى:
طالب ذو نبذة معرفة ضعيفة
إرهاق كاهل الدّولة دون نتيجة ايجابيّة.
إرهاق كاهل العائلة بنفقات هائلة في النّقل والأكل والمبيت. كما أنّ مركزيّة القرار (وزارة التعليم العالي) اضافة إلى بيروقراطيّة الجامعات (رئيس الجامعة) عملت على تهميش الهياكل: هيكل المعهد هيكل الكلّية المجلس العلمي رئيس القسم فأصبح مسؤول الهيكل منزويا مستقيلاً وعليه أن يطبّق القرار.
هذا كلّه يتناقض مع الفصل 57 من القانون التّوجيهي حول المهارات:
1 المهارات العمليّة
2 المهارات المنهجيّة
3 كفاية المبادرة
4 الكفاية السلوكيّة.
إذا اعتبرنا أنّ للاستثمار في رأسمال البشري دورًا محوريًّا في الانتاجيّة وزيادة النّمو الاقتصادي وهو مرهون بمدى توفّر تلك المهارات (تكوين عام تكوين مهني).
وإذا نظرنا إلى الاقتصاد الأوروبي الذي يتميّز بهرم مهارات يرمز إليه ب 20 / 60 / 20 أي 20٪ من مواطن الشغل تؤمّنها عمالة غير ماهرة، 60٪ عمّال مهرة وتقنيون، 20٪ من خرّيجي التعليم العالي، فإنّنا نجد هرم الكفاءات في تونس يتهيكل على منوال 60٪ / 30٪ / 10٪ وهو ناتج عن الفصل اللاّمنطقي بين التّكوين العام والتّكوين المهني لأنّنا نتعلّم لا لنتثقّف فقط بل أيضا لنعمل ونعيش ونساهم بالتّالي في النّمو الاقتصادي.
واعتبارًا أنّ خريج الجامعة أصبح مؤهّلا للعمل فإنّ استقلاليّة مؤسّساتها أصبحت ضرورة ملحة والتّسييس المفرط أو المجحف أصبح أمرًا مرفوضًا وعلى سلطة الاشراف الجديدة أن تفهم هذا الأمر فتحرّر الجامعة من ربقة القرارات والإلزام، وتعلن أنّ جودة التّربية أو التّربية الجيّدة هي الارتقاء بالفعل التّربوي والتّعليم إلى أعلى درجات النّجاعة والفاعليّة وأنّ الوصول الى منظومة تربويّة جديدة لا يحتاج إلى قرار آحادي الجانب على أساس شرعيّة المؤسسة التنفيذية (الحكومة الوزارات ذات الصّلة) بل شراكة وطنيّة ملزمة بإمضاء متعدّد الأطراف حتّى تكون المسؤولية جماعيّة ومقنعة لأهل البيت أي هيكل التّدريس، هيكل التّفقّد والارشاد، الهيكل الاداري، وعلى هذا الاجماع أن يستند إلى مؤشّرات الجودة:
1 التصرّف في الميزانيّة:
على قاعدة الأولويّة الخاصّة بكلّ مؤسّسة تربويّة أُسُّها القرار الجماعي الدّاخلي.
2 التّصرّف في الموارد البشريّة:
على قاعدة الاستحقاق وفق المرتبة والسّلوك والقيام بالدور الموكول.
3 إنجاز التّعلمات: على أساس مبدأ الإنصاف والمواكبة.
4 قيادة المؤسّسة: الكلّ مساهم في القيادة بالاجماع وإنجاز الدّور.
5 تنظيم الحياة المدرسيّة: ضوابط علائقيّة، مساهمة جماعيّة.
6 التّصرّف في الموارد الماديّة: موارد كامنة، موارد مطلوبة كما يجب أن يحدّد المعايير الخاصّة بجودة كلّ موشّر كأن نتحدّث عن المعايير الخاصة بمؤشّر تنظيم الحياة المدرسيّة أو المعايير الخاصّة بمؤشّر إنجاز التّعلمات مثلا... لأن الحياة المدرسيّة قابلة للقيس، عاكسة للخصوصيّة المحليّة، ضامنة للإنصاف في علاقة بالرّفاه البيداغوجي، مؤمّنة بحظوظ متكافئة للنّجاح، مساهمة في تحقيق المعايير المؤمّل توفّرها في أداء المتعلّمين.
كما أنّ الأطراف الاجتماعيّة (الطّرف النّقابي الطّرف الجمعياتي الطّرف الحقوقي...) وكذلك الطّرف السّياسي أي الأحزاب، اضافة الى المجلس الوطني التّأسيسي الذي سيصوغ الدّستور وهو الضّامن الأساسي لصياغة المبادئ الأساسيّة للتّعليم من مبدأ الاختلاط إلى مبدأ الانصاف إلى مبدإ تكافؤ الفرص إلى مبدإ المساواة، فتضمين تعليم وطني المحتوى، ديمقراطي، شعبي الإطار عقلاني التّوجّه... هذه الأطراف لابدّ أن تكون شريكًا فاعلاً وفعّالاً. حاضرًآ ومُدافعًا في كلّ ما يتعلّق بالمنظومة التّربويّة استنادًآ إلى استشارة وطنيّة واسعة وندوات وطنيّة مكثّفة باعتبار أنّ التّربية شأن عام له بُعْدان أساسيان: البعد التّاريخي والبعد الاستشرافي.
إنّ التربيّة الجيّدة هي التي تتميّز بخصائص أساسيّة وهي أن تكون:
1 لحقوق الانسان.
2 محقّقة لمختلف أدوار المتعلّم في مختلف دوائر انتمائه: العائلة المجموعة الاجتماعية العالم.
3 مساهمة في نشر قيم العدل والإنصاف والسّلام.
4 عاكسة للخصوصيات المحليّة (وسط ريفي وسط قروي وسط حضري وسط فلاحي زراعي وسط فلاحي صيد بحري وسط صناعي وسط خدماتي وسط سياحي وسط ثقافي...).
5 مستفيدة من ماضيها العقلاني، مواكبة لحاضرها مهيّئة للمستقبل.
6 مساعدة على اكتساب معارف وقيم وكفايات.
7 موفّرة لأدوات تساعد على جعل الواقع أفضل.
8 قابلة للقيس والتقدير.
وإذا ربطنا البعدين أي البعد التاريخي والبعد الاستشرافي بمفهوم الجودة ومؤشّراتها ومعاييرها وخصائصهغا فإنّ هذا كلّه يتطلّب ثلاثة شروط لتحقيق الجودة وهي:
1 التّفاوضية: مشاركة كلّ الأطراف
2 النّمائيّة: قابليّة التّعديل والتّأطير
3 محدّدة الزّمن: ضبط مدّة الإنجاز.
وإذا عزمنا على إرساء منظومة تربويّة جديدة أساسها الجودة فلابدّ من إصلاح عميق وجذري، قوامه التّلازم بين غايتين أساسيتين:
الإرشادُ نحو مجتمع الثقافة أوّلا، حتّى نضمن الاستقرار الكامل، وبالتّوازي بلوغ أسس مجتمع المعرفة ثانيا.
هذا يحتاج إلى خطّة تنفيذية محدودة في الزّمن، وخير مثال على ذلك ما وصلت إليه الحضارة الأوروبيّة من ثقافة الحياة اليوميّة وثقافة الحياة السياسيّة من خلال المؤشّرات الإيجابيّة:
1 السلوك الحضاري
2 قبول الآخر
3 المواطنة السّليمة
4 التّلازم بين الحريّة والمسؤوليّة وبين الحقّ والواجب
5 المبادرة والالتزام
6 الديمقراطيّة والتّسامح
7 السلوك المدني
أي مختلف التّعبيرات اللفظيّة والحركيّة التي تصدر عن الفرد الواعي بالعيش المشترك محليّا، جهويّا، وطنيّا، عالميّا ضمن مؤسسات عادلة تضمن للجميع الكرامة المستحقّة للإنسان.
لماذا؟ لأنّنا نحتاج إلى الثّقافة قبل المعرفة نظرًا إلى التخلّف الحضاري وبروز الفكر الكامن من الموروث الثقافي السّلبي كالفكر السّلفي وهو فكر وثوقي لا يعترف بالآخر مطلقا منهجه ثقافة العنف وهو فكر ارتدادي عائق للتطوّر الحضاري أضف إلى ذلك النّعرات الجهوية والعشائريّة والسّلوك الرياضي وثقافة الجمع المفرّد (نحن من فعل كذا...) وما يزيد الطّين بلّة الاعتداء على حرمة المؤسّسة التّربوية طيلة فترة الحكم السّابق وتدهور قيمة المدرّس بصفة عامة وكذلك سلطة أمنيّة تحتاج إلى إعادة بناء جديدة أساسها التّدخل في كلّ ما يسمّى من السّلوك الحضاري الجيّد.
نحن في حاجة عاجلة إلى تعديل السّلوك العام للتّلميذ وللمواطن، فهل كان القانون التّوجيهي عدد 80 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 وكذلك الخطّة التّنفيذية لمدرسة الغد 2002 2007 يستجيبان إلى إرساء مجتمع الثقافة حتّى لا أقول مجتمع المعرفة!؟
إنّ رسالة التّربية المبنيّة على أسس: الانتماء الانفتاح المواطنة تحتاج إلى إعادة النّظر في القانون التّوجيهي والخطّة التنفيذيّة لأنّ سنّ الفصول المرتهنة الى الرّهان السياسي للحكم القائم تعني الفشل الكلّي للمنظومة لهذا علينا أن نعدّل ونتمّم ونُنقّح ونحذف ونسُنّ وهو ما يتطابق مع الدّور التّأسيسي للمجلس الوطني التّأسيسي، ولنْبدأ:
الفصل 14: ضبط تنظيم الحياة المدرسيّة بأمر.
ضبط نظام التّأديب بقرار وزاري.
لم يعد من الممكن ضبط الحياة المدرسيّة أو نظام التّأديب بأمر أو قرار وزاري دون مشاركة الأطراف ذات الصّلة.
الفصل 15: تعمل الدّولة على النّهوض بالتربيّة قبل المدرسيّة في إطار التكامل بين التّعليم العمومي والمبادرات المحلّية والجمعيات والقطاع الخاص.
الاضافة: المنظمات والرّابطات ذات الصّلة أيضا
الفصل 16: السنة التّحضيرية.
لا تنطبق عليها أحكام الفصل 4 من القانون التّوجيهي حول مجانيّة التّعليم وإجباريّة.
الفصل 21: ينصّ على خطيّة بين 20د و200د و400د عند العود في صورة امتناع الولي عن إلحاق منظوره بالتّعليم أو سحبه.
هذا الفصل يهدّد الولي بالخطّية الماليّة وكأنّ هذا العقاب سيردعه والحال أنّه بإمكان بعضهم دفع الخطّية، كما أنّ بعض التّلاميذ لم يعد يرغب في الدّراسة أصلا لفقدان الثّقة في قدراته.
الفصل 33: يتولّى المجلس البيداغوجي مساعدة إدارة المدرسة على معالجة المسائل المتعلّقة بتنظيم التّعلمات والتّقييم والزّمن المدرسي والدّعم والمرافقة.
التّعديل: يتولّى المجلس البيداغوجي بمعيّة إدارة المدرسة على معالجة المسائل المتعلّقة بتنظيم التّعلمات والتّقييم والزّمن المدرسي والدّعم والمرافقة.
التّعديل: يتولّى المجلس البيداغوجي بمعيّة إدارة المدرسة معالجة كل المسائل المتعلّقة بجودة التّربية.
الفصل 36: تتكوّن موارد المؤسّسة التّربوية من:
1 منحة الدّولة
2 منحة الأشخاص الطّبيعيين
3 منحة الأشخاص المعنويين
4 الوصايا
5 الهبات
6 مداخيل الممتلكات
7 مداخيل الخدمات
8 مقابيض رسوم التّسجيل
9 رسوم التّأمين
هذه الموارد غير كافية لأنّها تتضمّن ماهو قارّ وماهو غير قارّ فالوصايا والهبات ومنحة الأشخاص الطّبيعيين غير قارّة، لذا وجب اضافة المورد المتعلّق بالجباية العامّة:
1 ضريبة التّعليم تقدّر بنسبة كذا من الدّخل
2 ضريبة المؤسسات المحليّة وتقدّر بنسبة كذا من الدّخل الرّبحي لأنّ الاعتماد على الضّريبة يجعل المورد قارًّا، كما أنّ دافع هذه الضّريبة قد استفاد من منتوج التّعليم وانتشاره في جميع القطاعات بحيث أصبح لديه يد عاملة متعلّمة وأخرى متخصّصة وأصحاب خبرة ومكوّنون وهو ما يدفع بالزيادة في الانتاج والرّبح لأنّ المدرسة والمعهد والجامعة تعلّم التلميذ أو الطّالب مدى قيمة العمل والضّمير المهني والحفاظ على الملك العام والملك الخاصّ والانضباط ومنافع زيادة الانتاج على المجموعة الوطنيّة، وبالتّالي يستفيد كلّ من رجل الأعمال والفلاحّ والمالك العقاري ورؤوس الأموال من التّعليم العمومي وعليهم أن يردّوا الجميل بالاستجابة لإجراء دفع الضّريبة.
الفصل 46: يتابع الاطار التّربوي والاداري التّكوين المستمرّ لضرورة التحوّلات المعرفيّة.
هذا الفصل يتناقض كلّيا مع مطلب فتح الآفاق فالمفروض أن تكون الدّراسة مدى الحياة قصد المواكبة المعرفيّة للمدرّس اضافة الى استحقاقاته الارتقائية في المهنة، وعلينا أن نضيف إليه أنّ فتح الآفاق العلميّة بات أمرًا ملحًّا لا غنى عنه، وليس أمرًا موسميًّا.
الفصل 67:
يشمل البحث التّربوي:
البيداغوجيا مناهج التّعليم البرامج الوسائط أداء المربي الحياة المدرسيّة المحيط أنظمة التّقييم الدّراسات المقارنة الاستشراف رصد التّجديدات الميدانيّة المستجدّات العالميّة.
علينا أن نضيف أنّ البحث التّربوي يشمل أيضا نشاط الجمعيات والمنظمات ذات الصّلة بالتربيّة. وكذلك البحوث العمليّة.
هذه بعض الفصول من القانون التّوجيهي نوردها ويمكن تتبّع بقيّة الفصول ونقدها.
أمّا الهيكلة العامة للنّظام التّربوي التّونسي فهي مشابهة للهيكلة العامة للأنظمة التّربويّة المعروفة إذ:
1 يمرّ التّعليم ب 3 مراحل
2 تدوم 12 سنة
3 تعليم إجباري ومجاني
لكن ما نلاحظه أنّ مكانة بعض التّعلمات ضعيفة والمقصود المواد الجوهريّة، بعض المضامين تقادمت ولم تعد صالحة، ضعف اندماج المواد، انفصال المواد، غياب حريّة التصرّف في برمجة الدّروس، انعدام حريّة المنهج.
هذا ما أنتج ضعفا في المستوى حسب المعايير الدّوليّة، وقد تجلّى ذلك في تقييم TIMSS الأولمبياد الرّياضي الذي يتناول التّعلمات الأساسيّة: رياضيات، علوم والذي شاركت فيه 38 دولة وكانت رتبتنا 29 من 38 في الرياضيات و34 من 38 في العلوم.
هذا الفشل ناتج عن كون البرامج في نظامنا التّربوي في الرياضيات لم تتعرّض الى عدد من المفاهيم والمواد الرياضية التي تدرّس في معظم البلدان المشاركة كما أنّ التوقيت المخصّص للعلوم عندنا يمثّل 5٪ من جملة التوقيت المخصّص لجلّ المواد بينما على المستوى الدّولي 12٪.
لهذا نحتاج الى اجراءات عاجلة لوضع المتعلّم في قلب العمليّة التّعليمية وفي محور النّظام التّربوي اجراءات لابدّ منها:
1 اجراءات بيداغوجيّة (التعلّم ككلّ).
2 اجراءات هيكليّة (تنظيم مراحل التّعليم المسالك التّوجيه).
3 اجراءات تنظيميّة (تنظيم الزّمن المدرسي الحياة المدرسيّة).
فالبرامج تحتاج إلى مراجعة جذريّة امّا لنقص واضح في المفاهيم وعدم مواكبة المستجدّات العالميّة أو لأخطاء مقصودة قصد التّضّليل وطمس الحقائق (كالحقيقة التّاريخية في مادّة التاريخ) والمناهج تكبّل المدرّس ولا تمكّنه من المبادرة، والوسائل تقادمت وبعضها لم يعد صالحًا وبعضها فقد قيمته بفعل منظومة المعلوماتيّة والعمل بالطّباعة.
أمّا الفنون والأنشطة الثّقافية فهي تكاد تكون منعدمة وخاصّة في الأوساط الريفية والشّعبيّة وان وجدت فهي لا تضفي ثقافة بل هشاشة ونمطًا سائدًا في المجتمع كالغناء الرياضي المتعلّق بالنّوادي، ونحن نبحث عن ثقافة توسيع الخيال انطلاقا من الأدب والفنّ والعلم، لهذا يجب أيضا تعميم ظاهرة نوادي السيّنما للأطفال لما يتوفّر في السيّنما من روايات ولغات ومشاهد وتنوّع كما يجب العمل على الارتقء بصيغ الشّراكة بين المؤسسات التربوية والمتدخّل الثقافي والمبدع (مطرب، فنّان تشكيلي، شاعر، أديب، مسرحي، عازف...).
إنّ التمشّي التّراكمي للمعارف السّائدة في ثقافتنا المدرسيّة وهيمنة النّزعة الموسوعيّة غيّب الخصائص المميّزة لمجالات المعرفة والمواد وكأنّ لها نفس الأهداف والمناهج فأصبحت الفوارق بينها شكلية ترتكز على تفاضل اعتباطي غير ضوارب غير متكافئة.
وهذه المواد تصنّف تراتبيًّا:
1 مجالات تعلّم ذات أولويّة.
تستغرق الجانب الأر من التوقيت اليومي والأسبوعي والسّنوي.
2 مجالات تعلّم ذات بعد تربوي وفنّي كمواد التّنشئة الاجتماعية والفنّية والبدنيّة.
الاّ أنّ اللّغات باعتبارها اختيارًا استراتيجيًّا واتقانها رهين تطوير الوسائل المعتمدة والطّرق البيداغوجيّة المتوخاة ونوعيّة تكوين المدرّسين المكلّفين من اللغة الفرنسيّة كلغة تقدّم الحضارة الأوروبية منذ عصر التّنوير والثّورة الفرنسيّة الى اللّغة الانقليزية كلغة العصر لا يجعلنا نخلّ بلغة على حساب أخرى لحاجتنا التّواصليّة والمنفعة الاقتصاديّة وكذلك العلميّة.
اضافة الى ذلك علينا أن نعتمد على مبدإ الاحتراف أو المهنيّة لأنّ فاقد الشّيء لا يعطيه فالانقليزية لا يحتاج الى تكوين على عجل مادام يتوفّر لنا أصحاب الأستاذيّة أو الاجازة في الانقليزية فبالإمكان تدريس الانقليزية في مدرستين أو ثلاث متجاورة.
إنّ شبة معقّدة من العلاقات المتداخلة بين عناصر بشريّة وأجهزة وقوانين وتراتيب تتفاعل وتتأثّر ببعضها البعض، قاعدتها الأولى المدرسة الابتدائية لأنّها الأنموذج الأوّل للبناء السّليم لأنّها تنحت شخصيّة الطّفل وتحدّد سلوكه حاضرًا ومستقبلا حتّى ينشأ على ثقافة جديدة قوامها السّلوك الحضاري وقيم المواطنة واحترام الآخر ونبذ التّزمّت والانغلاق والرّؤية الضّيقة، لهذا نحتاج جميعا الى نظام تربوي جديد يسعى إلى بناء مجتمع الثّقافة قبل الحديث عن مجتمع المعرفة لأنّ المعرفة أشمل فهي تضمّ الثقافة وتحلّلها وتفكّ رموزها وتعطى انطباعًا حولها كما أنّ المعرفة تتميّز بالموضوعيّة نسبيا فإذا أردت أن تحلّل الظاهرة التّاريخية فإنّك تحتاج الى علم التّاريخ والوثيقة التّاريخيّة حتّى تتمكّن من فهم سياق الحدث التّاريخي أسبابه ونتائجه دون أن يكون لك اغترار بفتح الأندلس مثلا أو بسلامة الامبراطوريّة العثمانية وعدم ارتكاب مجازر تجاه الأرمن من طرف الأتراك باسم الخلافة الاسلامية.
إذن، للولوج إلى مجتمع الحداثة يفترض تعدديّة لغات لإعادة النّظر والقراءة لتكوين ذوات منشئة في ظلّ مجتمع الاقصاء والخيبة، لابدّ من بعث الرّغبة من جديد في الاندماج والتنشئة الايجابيّة والمشاركة النّشيطة في الحياة العامة والمواطنة الكاملة لابدّ من نمط بيداغوجي جديد قائم على الكيف على قاعدة أنّ الانسان هو دائما «مشروع في تطوّر» pro-projet ودون حلم لا يمكن لنا أن نتقدّم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.