ككلّ الثورات ومسارات الانتقال الديمقراطي تبقى «التجربة» مفتوحة على إمكانيتي النجاح والفشل ، ويكون المحدّد في ذلك التوجهات الكبرى لتحقيق ذلك الانتقال ووضع قاطرة الإصلاحات المطلوبة لتغيير الأوضاع نحو الأفضل والكيفيّة التي تُدار بها جلّ الملفات التي لها صلة بضرورة القطع مع سلوكات الماضي وسياساته. بيّنت الأحداث في تونس منذ 14 جانفي أنّ الكثير من الفاعلين السياسيين ما يزالون محتكمين إلى توازنات الماضي ومعطياته متخوفين من الإقدام بشجاعة على «هضم» التحوّلات العميقة التي جرت والتفاعل السريع مع متطلبات اللحظة الراهنة واستحقاقاتها المؤكّدة. فبقدر ما للمعارضة من نقيصة التشكيك في السلطة الجديدة والحكم عليها بمنطق قراءة النوايا ومعاملتها بغاية إفشال برامجها ومخطّطاتها ، بقدر ما يعيب المراقبون والمتابعون للشأن السياسي التونسي على هذه السلطة الجديدة بأضلعها الثلاثة غياب الإرادة السياسيّة الواضحة والحازمة والقاطعة في علاج الملفات والمشاغل المطروحة. المعارضة متذبذبة ولا ترى أيّ أفق لها في منظور المواعيد الانتخابيّة القادمة خارج هنّات وسقطات السلطة القائمة ، والسلطة متردّدة وهذا التردّد عقّد العديد من الوضعيات ورفّع من توجّسات قطاعات واسعة من المجتمع خاصة في ملفات المحاسبة وشهداء الثورة وجرحاها والتشغيل. التوازن ما يزال غير متوفّر في الحياة السياسيّة التونسيّة والسبب كامن في طرفيها أي لدى السلطة ولدى المعارضة في آن واحد. على المعارضة أن تكون شجاعة في نقد ذاتها واستخلاص العبرة من انتخابات أكتوبر الماضي ، والحكومة في غياب تلك الشجاعة سيزداد ربّما ارتباكُها وقد تتفاقم في طريقها العديد من المعضلات خاصة الاقتصاديّة والاجتماعيّة ، الشجاعة مطلوبة من الجانبين حتّى نقول إنّ الانتقال الديمقراطي يسير في طريقه الصحيح وهو قادر على تحقيق التعايش بين الجميع عبر توازن ديمقراطي مسؤول يخدم الوطن قبل الأجندة الحزبيّة والفئويّة الضيّقة ، توازن بقدر ما يُحاسب ويعمل على القطع مع الماضي بقدر ما يؤسّس للجديد و يبني للمستقبل.