أكد المشاركون في ندوة علمية انتظمت امس بالعاصمة على الدور الهام والحساس الذي تلعبه دائرة المحاسبات في مجال الرقابة المالية والإدارية لنفقات الدولة ولأداء الإدارة. وهو ما يتطلب في رأيهم تخصيصها بمكانة وبضمانات هامة في الدستور الجديد. قال السيد عبد القادر الزقلي الرئيس الاول لدائرة المحاسبات إن حسن التصرف في الاموال العمومية وصيانة مكاسب المجموعة الوطنية يستدعيان وضع منظومة متكاملة للرقابة تحتل دائرة المحاسبات ضمنها مكانة محورية كهيئة قضائية دستورية تحظى بكل ضمانات الاستقلالية والفاعلية وهو ما لم يتحقق لها إلى حدود 14 جانفي 2011 رغم التنصيص صلب دستور 1959 على هذا الهيكل.
كانت معزولة
أكد رئيس دائرة المحاسبات بالخصوص ان الإرادة السياسية في عهدي بورقيبة وبن علي توجهت نحو عزل دائرة المحاسبات عن الرأي العام ونحو التعتيم على اعمالها وعدم الاصغاء لتوصياتها وحرمانها من عمل المساءلة والمحاسبة مما ساهم في اهدار المال العام وفي توظيف مؤسسات الدولة والاموال العمومية لتحقيق منافع ومآرب شخصية دون عقاب المتورطين مما ساهم في انتشار الفساد والظلم وغياب العدل والعدالة بين الافراد والجهات.ويقتضي الوضع الجديد في تونس اليوم القطع مع أخطاء الماضي واستيعاب الدرس منها تفاديا لاهدار المال العام. وأضاف الزقلي أن القطع مع كل هذا يقتضي ألا يقتصر الدستور المرتقب على إشارة مقتضبة لدائرة المحاسبات مثلما حصل مع دستور 1959 بل لا بد من التنصيص على استقلالية هذا الهيكل على المستويين العضوي والوظيفي وفقا لما تنص عليه المعايير الدولية.
معايير دولية
من بين المعايير الدولية التي يمكن الاستئناس بها في هذا الإطار يذكر مختصون في المجال الدساتير المقارنة والمبادئ الثمانية للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة « الانتوساي» والقرار الصادر عن منظمة الامم لمتحدة في جلستها العامة بتاريخ 22 ديسمبر 2011 حول تعزيز الهيئات العليا للرقابة المالية والمحاسبة قصد النهوض بإدارة عمومية ناجعة وشفافة وقابلة للمساءلة .
ويقول المختصون ان التنصيص على استقلالية دائرة المحاسبات ضمن الدستور يجب أن يشير صراحة إلى استقلاليتها العضوية والوظيفية والمالية عن بقية السلطات وتمكين قضاتها من الضمانات الكافية في كل ما يتصل بممارسة وظائفهم وبمسارهم المهني وعدم اخضاعهم إلا لسلطة القانون. ويضيفون انه من ضمانات استقلالية قضاة دائرة المحاسبات ضرورة تكريس مبدأ انتخاب مجلسهم الأعلى والتنصيص على ذلك صراحة صلب الدستور المرتقب.
تطمينات بن جعفر
كان السيد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي قد أكد خلال افتتاح الندوة أن الوضع الحالي في تونس يقتضي المحافظة أقصى ما يمكن على الاموال العمومية وتوظيفها التوظيف الامثل تحقيقا للحكم الرشيد، ولن يتسنى ذلك في غياب مراقبة شفافة وصارمة للحسابات العمومية.وأضاف أن تكليف هيئة مستقلة عن جهات التصرف ولا ترجع بالنظر إلى سلطة سياسية معينة هو من طبيعة الحكم الديمقراطي، ولا بد أن يتم ذلك في إطار منظومة رقابية متطورة. وأكد بن جعفر أن اصلاح منظومة التصرف في الاموال العمومية يقوم على أسس عديدة منها خاصة دعم استقلالية الهيئة القضائية المالية العليا وظيفيا وماليا وإداريا وإضفاء الصبغة الدستورية على أهم وظائفها وتنزيلها وقضاتها منزلة دستورية متميزة تتوفر بها كل الضمانات.
وكانت لجنة المجلس التأسيسي المكلفة بالقضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري قد استمعت في وقت سابق إلى قضاة دائرة المحاسبات الذين عبروا عن تعلقهم بالطبيعة القضائية لمؤسستهم ودعوا إلى إحاطتها وأعضائها بالضمانات الدستورية اللازمة حتى تقوم بمهمتها على أحسن وجه، وهو ما سيقع أخذه بعين الاعتبار حسب بن جعفر عند صياغة الدستور الجديد.