٭ بقلم: عبد الخالق بوجناح (قاضي مستشار بدائرة المحاسبات) 2) في الوسائل الكفيلة بدعم الاستقلال الداخلي يتطرق هذا الصنف من الاستقلال إلى علاقة رئيس الجهاز أو رؤساء الهيئات الداخلية أو المهمات الرقابية مع باقي أعضاء الجهاز مراقبين كانوا أو إداريين ويهدف إلى تجنب كل تداخل مباشر أو غير مباشر يمكن أن يمارسه رئيس على مرؤوسه للتأثير على قراراته. وتختلف هذه القرارات حسب التوزيع المعتمد للمسؤوليات، فمنها من له علاقة بالعمل الرقابي ويعود بالنظر إلى «هيئاته التقنية» (الفرق الرقابية، الأقسام أو المصالح، الغرف أو المديريات...) ومنها من له علاقة بالتصرف المالي والإداري ويعود إلى «هيئاته المالية والإدارية». وتخضع كل هذه القرارات، قبل الموافقة عليها أو رفضها، إلى إجراءات تضبط مهام كل متدخل والتسلسل الإداري الواجب إتباعه. وتعتبر المنظمات الدولية للرقابة المالية أن صواب هذه القرارات مرتبط بالإجراءات التي يتم إتباعها للغرض، وقد مثلت استقلالية مختلف المتدخلين إحدى الثوابت التي اعتمدتها المنظمات في إعداد معايير تضبط تلك الإجراءات. في استقلالية قرارات الأفراد والجماعات داخل الجهاز تتمثل القرارات التقنية في إبداء الرأي حول التصرف في الأموال العمومية والإفصاح عن كل خلل تمت معاينته في هذا المجال في حين تشمل القرارات المالية والإدارية الجانب اللوجيستي للعمليات الرقابية حيث تهتم بتوفير الإمكانات البشرية والمادية اللازمة لذلك كما تشمل الجانب الاستراتيجي من خلال الانتدابات والترقيات والتدريب ... حيث إن لها تأثيرا على أداء الجهاز في المستقبل القريب، والمتوسط، والبعيد. ومن أهم الإشكالات التي تعترض عمل الهيئات التقنية هو اختلاف آراء أعضائها وقد تطرقت الأيفاك و الإنتوساي إلى هذا الموضوع ضمن معاييرها المتعلقة بضمان جودة الأعمال الرقابية حيث نصت على ضرورة تبني الجهاز الرقابي سياسات وإجراءات تهدف إلى ضمان حرية رأي مختلف المتدخلين وفض النزاعات التي يمكن أن تنشأ عن اختلاف الآراء بين أعضاء المهمة الرقابية أو بينهم وبين رئيس الجهاز. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الطموحات السياسية لأعضاء الأجهزة العليا للرقابة تمثل إحدى أهم الحالات التي تشكل تهديدا للاستقلالية مرتبط بالمصلحة الشخصية. وقد ينجر عن هذه الطموحات تواطؤ مع الهيئات المراقبة سواء بالتستر عن النقائص التي تمت معاينتها من خلال فرض رأي مخالف أو بالحيلولة دون أداء الأعمال الرقابية وفق المعايير المهنية. وتوصي المنظمتان في هذا الخصوص بضرورة إتباع إجراءات تمكن من: تشخيص الاختلاف ضبط المراحل الواجب إتباعها لحله توثيق الطريقة التي تم اعتمادها لحل المشكل والاستنتاجات التي تم التوصل إليها. وتؤكد على الامتناع عن إصدار أي تقرير ما دام الاختلاف قائم الذات. ويتم تفادي هذه المخاطر بسن إجراءات تشجع مختلف المتدخلين على إبداء رأيهم بكل حرية وتحميهم من كل ردود فعل تضر بحياتهم المهنية في صورة اختلافهم مع رؤسائهم وكذلك من خلال تدعيم استقلالية القرار الجماعي داخل الجهاز علاوة على اللجوء إلى التحكيم الذي نصت عليه معايير ضمان الجودة. ويتم تدعيم استقلالية القرار الجماعي من خلال تطعيم مختلف الهيئات التقنية الداخلية بأعضاء من الداخل غير تابعين لسلطة رئيس الهيئة المعنية بالقرار. أما بالنسبة إلى الهيئات الداخلية الإدارية التي تنظر في الحياة المهنية للأعوان وسير الجهاز فمن الضروري تدعيمها بأعضاء منتخبين وبأعضاء غير تابعين لسلطة رئيس الجهاز أي من خارج الجهاز. وقد اعتمدت عدة بلدان هذا التنظيم نذكر منها دائرة المحاسبات الفرنسية التي يتركب مجلسها الأعلى من ثمانية عشرة عضوا منهم ثلاثة أعضاء من خارج الجهاز يتم تعيينهم من طرف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ وتسعة أعضاء منتخبين من داخل الجهاز وأربعة أعضاء من بين رؤساء الغرف الأقدم في الوظيفة إلى جانب رئيس الجهاز والمندوب العام لديه. كذلك الشأن بالنسبة إلى المجلس الأعلى للحسابات بالمملكة المغربية الذي يضم إلى جانب رئيس الجهاز ومندوب الملك ستة أعضاء كلهم منتخبون، كما يضم المجلس الأعلى لدائرة المحاسبات السينغالية ثلاثة أعضاء يتم تعيينهم من طرف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ. في مساءلة أعضاء الجهاز نص معيار الإنتوساي المتعلق بالخطوط العامة للرقابة الداخلية في القطاع العام على ضرورة تبني الأجهزة العليا للرقابة نفس هذه الخطوط العامة. وتؤكد الإنتوساي على ضرورة ضمان استقلالية وحدة التدقيق الداخلي من خلال وضعها تحت الإشراف المباشر للمسؤول الأول عن الجهاز حتى يتسنى لها القيام بمهامها بموضوعية وشفافية. وتتمثل هذه المهام علاوة على مراقبة العمليات المالية والإدارية في مراقبة الأداء و تقييم نظام الحوكمة والتصرف في المخاطر. وتمثل الرقابة الخارجية أيضا دعما لاستقلالية القرار في الداخل حيث أنها تفصح للجهات ذات العلاقة، وليس لرئيس الجهاز فقط مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الرقابة الداخلية، عن كل خلل يتم معاينته في أداء الجهاز بما فيها تلك التي تتعلق باستقلاليته. كما أن اعتماد نظام مساءلة والالتزام بتقديم حسابات حول التصرف يدعّم استقلالية الأفراد والجماعات في الداخل ويحمل كل شخص مسؤولية قراراته. الخلاصة اعتمدت الأيفاك مقاربة جديدة لضمان استقلالية الرقابة المالية من خلال التأكيد على نسبية المقاييس التي تضبط هذه الاستقلالية واختلافها حسب نوعية العمل الرقابي والأشخاص المعنيين بالأمر والعلاقة التي تجمع بين مختلف المتدخلين وأكدت على ضرورة تطبيق إطار مرجعي لتشخيص المخاطر التي تهدد تلك الاستقلالية واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية منها. ورغم أن الجمهور المعني بهذه المقاربة يشمل بالخصوص أجهزة الرقابة المالية الخاصة فإن اعتمادها من طرف الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العمومية يدعّم استقلالها حيث أنه يضمن للعمل الرقابي على الميدان مهنيته وحياديته وموضوعيته.