خلنا بعد الثورة أن تنعكس الأمور إيجابيا على سير المناظرات الوطنيّة والانتدابات في الوظيفة العموميّة ، ولكن من الحقائق ما يجعلك تُوقن بأنّ جزءا هاما من هذه المناظرات ما يزال محتكما إلى نظريات الأكتاف والمحسوبيّة. في قصّة الحال، جاءتنا ل«الشروق» الآنسة سلمى قرفي التي تؤكّد أنّها بقدر ما تتمسّك بحقّها الثابت بالوثائق والمؤيدات بقدر حرصها على أن تكشف أنّ واقع الحال يؤكّد تواصل وقوع التجاوزات في الانتدابات وغياب إرادة سياسيّة واضحة وحازمة لمعالجة الأوضاع وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، تتمثل وقائع هذه المظلمة فيما يلي: حيث تم فتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب متصرف اختصاص حقوق من طرف الوكالة الوطنية للمترولوجيا بعنوان سنة 2010 وتم إجراء الامتحان الكتابي في 22 ماي 2011 والشفاهي في 28 جويلية 2011 وأعلن عن النتائج النهائية بتاريخ 8 اوت2011 وتضمنت القائمة ناجحتين الأولى في القائمة الأصلية والثانية في القائمة التكميلية وهو ما يخول قبول هذه الأخيرة لتسديد الشغور الذي من الممكن أن يطرأ على القائمة الأصلية وبناء على شرط المصلحة هذا اعترضت المترشحة الثانية على اعتبار أن من تم انتدابها هي في الواقع محامية مباشرة لمهنة المحاماة وتستمر في مباشرة الوظيفتين في نفس الوقت الذي تنتدب فيه وهو ما يجعل قرار الانتداب مشوبا بالخرق الواضح للقانون ومكسوا بعدم الشرعية عملا بمبدإ ما بني على باطل فهو باطل.
وتولت المعنية التظلم للإدارة في شخص المدير العام ومدير الشؤون الإدارية والمالية بتاريخ 13و19 سبتمبر2011 وبلغها الجواب بتاريخ22/09/2011 دون الاستجابة لطلبها الرامي لسحب هذا القرار المكسو بعدم الشرعية، اثر ذلك توجهت المعنية بالأمر إلى سلطة الإشراف وهي وزارة التجارة والصناعات التقليدية ممثلة في عضو لجنة امتحان الشفاهي ومدير المصالح المشتركة ورئيس الديوان ووزير التجارة ثم الى الوزارة الأولى في شكل مطلب رفع مظلمة بتاريخ 5/11/2011 وآخر إلى وحدة متابعة تنظيم المنشآت العمومية بتاريخ 14/11/2011 وقد راسلت هذه الأخيرة الوكالة بتاريخ 22/11/2011 لاتخاذ الإجراءات اللازمة وتصحيح الوضعية، وآخر إلى الكتابة العامة للحكومة بتاريخ12/12/2011 مدعم بالوثائق المؤيدة لطلبها. وفي الأثناء تقدمت بطلب اذن استعجالي لدى المحكمة الادارية لاستخراج نسخة من مقرر تنظيم المناظرة ونسخة من محضر لجنة امتحان الشفاهي المجرى بتاريخ 28/07/ 2011 على اعتبار ان هذا الامتحان هو الذي فصل بين المترشحتين وأدلت الإدارة بالمقرر ولكن بمحضر جلسة بتاريخ 08/08/2011 تاريخ تعليق القائمة النهائية للناجحين ؟ ثم ان هذا القرار هو موضوع دعوى تجاوز السلطة مرفوعة امام المحكمة الادارية.
إضافة الى ذلك واصلت المترشحة التي تدعي انه تم اقصاؤها بصورة تعسفية رغم حصولها على المرتبة الأولى نظرا الى ان الإدارة لم تقدم ما يدحض حجتها وكما هو معلوم فإن عبء الإثبات محمول على الإدارة حسب مقتضيات القانون الإداري وحتى إدراجها في القائمة التكميلية يمنحها المصلحة في الاعتراض والحق في الانتداب على اعتبار ان المصرح بنجاحها في وضعية غير قانونية إزاء قانون الوظيفة العمومية وهو ما حجره قانون الوظيفة العمومية وفقه قضاء المحكمة الإدارية قد حسم فيه الامر سابقا واقر ان الجمع بين وظيفتين يعد من قبيل الأخطاء الإدارية الفادحة على أساس التحجير على أي موظف عمومي يتعاطى اي نشاط مهني آخر بمقابل ومقرر تنظيم المناظرة يحتم العمل بالقائمة التكميلية في هده الحالة.
هذا إضافة إلى ان التفقدية العامة لوزارة التجارة بوصفها رقابة إشراف حسب القانون المحدث للوكالة تعهدت بالتحقيق في الغرض اثر توصلها بمراسلة موجهة من الإدارة العامة للوظيفة العمومية بالوزارة الأولى بتاريخ15/11/2011 وتكليفها في نفس الغرض من قبل وزير التجارة والصناعات التقليدية وذلك في شهر جانفي 2012 وقد ختم التحقيق في أواخر شهر فيفري بتقرير يثبت ان قرار الانتداب بني على خرق واضح للقانون. وتضيف المترشحة أنها اتصلت بصورة مباشرة بكل من وزير التجارة والصناعات التقليدية على اعتبار انه يمثل رقابة إشراف ويمكنه الفصل في هذا النزاع والوزير المكلف بالإصلاح الإداري والوظيفة العمومية بما ان الوكالة مؤسسة عمومية تخضع لرقابة وحدة متابعة تنظيم المنشآت العمومية بالوزارة الأولى والإدارة العامة للوظيفة العمومية لنفس الوزارة اذ ان القانون المحدث للوكالة ينص على انه يخضع أعوانها لقانون الوظيفة العمومية وكذلك وزير التكوين المهني والتشغيل نظرا لتصريحه عبر وسائل الإعلام عن استعداده لرفع هذه المظالم وتسوية وضعيات أصحابها وهو ما يجعل المسؤولية منوطة بعهدتهم لتسوية هذه الوضعية على اعتبار ان الحق ثابت بالوثائق والمؤيدات ويستدعي الحسم بصورة استعجالية فهو يتعلق بحق ثابت لشخص يتمتع بالكفاءة اللازمة التي تؤهله للانتداب ثم ان الهدف الأقصى الذي تسعى الجهة الإدارية إلى تحقيقه من خلال قراراتها هو في كل الحالات خدمة المصلحة العامة. ولكن للأسف الشديد عوض تسوية وضعية هذه المترشحة تمت مراسلتها بتاريخ 14/03/2012 من قبل الوكالة وتهديدها باتهامها بالثلب لمجرد انها طالبت بحقها بطرق قانونية وطالبت بتطبيق القانون عملا بمبدإ حياد الإدارة ومبدإ المساواة فتكريسا لهذا المبدإ تلجأ السلطة العمومية إلى المناظرة وتجعل منها الأسلوب الرئيسي لاختيار أفضل المترشحين وهذا المبدأ هو مبدأ دستوري والإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص عليه فمن المفترض ان جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات فأي معنى للقانون إذا لم تطبقه دولة القانون والمؤسسات ؟، وكيف يمكن القضاء على البطالة اذا منحنا لشخص أكثر من وظيفة ؟ وكيف لنا الحديث عن العدالة الاجتماعية إذا اخذ احدهم حقه وحق غيره؟. إن الإرادة السياسية هي الوحيدة الكفيلة بالحسم في هذه الأمور التي تبدو في ظاهرها ذات طابع فردي ولكن في حقيقة الأمر هي تهم المجموعة الوطنية بأسرها.. فهل نحن في دولة قانون أم في دولة الأكتاف والمحسوبيّة؟.