كان للصدفة دور هام انطلاقا من الدعوة التي وصلتنا من الأستاذ عبد الناصر الخنيسي وهو مؤسس ورئيس الجمعية التنموية للشباب لزيارة مركز رعاية المسنين في منوبة... زيارة مركز رعاية المسنين في منوبة... زيارة لم يتم الاعداد لها مسبقا. لذا فإن التلقائية كانت السمة البارزة فيها. وهناك كان الموعد مع عديد المفاجآت من خلال اقتحام عالم المسنين بشكل عفوي... زيارة أسعدت الجميع فكان الترحيب الحار بجريدة «الشروق»... شاكرين الجمعية التنموية للشباب هذه الزيارة المليئة بالأحاسيس المفعمة بالحبّ وبالصفاء والحنين.
الانطلاقة
كانت الساعة تشير الى العاشرة صباح الأحد الماضي عندما انطلق وفد الجمعية التنموية للشباب يتقدمه رئيسها الأستاذ عبد الناصر الخنيسي في اتجاه مركز رعاية المسنين بمنوبة... الوفد كان محمّلا بعديد الهدايا التي بعثت الحرارة في نفوس متساكني المركز... كانت السيدة حياة بوليفة القيمة في استقبال الوفد لتبدأ الجولة وسط حرارة الشوق والتفاؤل من قبل المسنين الذين لم يبخلوا بالتعبير عن كل ما يخالجهم من أحاسيس مشوبة بالحيرة عند الكثير. حمل وفد الجمعية التنموية للشباب هدايا ومواد تموينية للمركز... الكل يلهج بالدعاء... والكل يتحدث عن ما ألمّ به من نوائب... ويعبّر عن أمنيات ورضا بقضاء اللّه سبحانه وتعالى وقدره.
الهادي بوكراع: مأساة مصور
له من العمر 78 سنة.. وجد نفسه مجبرا على أن يكون أحد نزلاء مركز رعاية المسنين في منوبة وفي ذلك قصة يرويها ل«الشروق» يقول الهادي بوكراع: «امتهنت التصوير الفوتوغرافي، كنت إلى جانب خالي عصمان المصور الخاص للزعيم الحبيب بورقيبة... وقد صاحبت الزعيم في جولته الافريقية... وصاحبته أيضا مسجلا بآلة التصوير مراحل جولته في الشرق الأوسط وخطابه الشهير في أريحا سنة 1965... وفي نيويورك كانت كاميرا الهادي بوكراع شاهدة على رئاسة المرحوم المنجي سليم لجمعية الأممالمتحدة... وقضى في الجامعة العربية تحت اشراف الأستاذ الشاذلي القليبي بتونس... وله في ذلك صور لا تحصى ولا تعدّ... ومع قرار عودة مقر الجامعة العربية الى القاهرة تمّ تمكين الهادي بوكراع من تعويض مالي معتبر اقتنى به هذا المصور منزلا بضاحية قمرت... مرض المصور فلازم المستشفى على امتداد فترة طويلة وبعد الشفاء ومغادرة المستشفى عاد الى منزله فكانت المفاجأة التي لم تخطر له على بال... لقد تمّ بيع منزله لاحدى الشركات الانقليزية دون علمه... وقدموا له وثيقة فيها أنه تنازل عن المنزل لفائدة ابنته التي باعت المنزل مقابل شقة في (العقبة)... انهار وسعى للحصول على تفسير مقنع لما حدث له... فكان الجواب: «عليك أن تختار 9 أفريل أو مركز رعاية المسنين»... وكان الاختيار على هذا الاخير عن مضض. سألت شيخنا الوقور: من هو الطرف الرئيسي حسب رأيك في هذا الذي حدث أجاب: هم معروفون.
ألم تحاول استعادة منزلك بعد الثورة؟
لا... قضي الأمر... إني أعيش حاليا في المركز ولم تعد لي رغبة في هذا المنزل (طار الكيف)... أنا أعاني من مرض القلب وهناك إطار طبي يتابع حالتي... بالنسبة لابنتي فإنها تعيش حاليا في جربة... أما ابني فإنه يقطن في الكرم وأنا الذي أزورهم بين الفينة والأخرى. ... وهذا شيخ وضع على رأسه غطاء... وإلى جانبه مجموعة من الكتب... قالت عنه قيمة المركز السيدة حياة بوليفة إنه من القراء الأوفياء لجريدة «الشروق» اسمه الهادي الفوراتي... اقتربنا منه ليحدثنا عن قصته اكتفى بالقول أنه يحمل العالمية في الشريعة شعبة القضاء الشرعي... حصل عليها وله من العمر 23 سنة. قضى حياته في الجزائر اعتبارا لمعارضته للزعيم بورقيبة... أردنا المزيد من التفاصيل لكنه اعتذر بلطف عن ذلك... رافضا في ذات الوقت تصويره باخفاء وجهه بالغطاء. في الجناح الخاص بالنساء تحدثت إلينا منجية التي يتجاوز عمرها ال70 سنة عن قصة حبّ خالدة مع زوجها الراحل المنجي... مازالت تحتفظ بصورته وهو في فترة شبابه... قالت إنها عاشت معه نصف قرن... لم تنجب له... ورغم ذلك لم يفارقها حتى مماته... فكان مركز رعاية المسنين بمنوبة المكان المناسب لها بعد رحيله على حدّ تعبيرها للعيش على ذكراه.
كلمة مؤثرة
في خضم هذا التفاعل والجوّ المفعم بالمشاعر والأحاسيس الفيّاضة تحدث الأستاذ عبد الناصر الخنيسي مؤكدا على أنه لا خير في من لا يوقر كبيره وأن الحرية عندما يتبسم الصغير للمسنّ... وأشار الى أن هذه الزيارة جاءت لتمتين الصلة بين الجيل الحالي والجيل السابق على اعتبار أن من لا ماضي له لا مستقبل أمامه... مبرزا أن الجمعية التنموية للشباب تبقى رافدا للخير ونشر قيم الحب والتآلف بين التونسيين دون منّ ولا مواربة.