في تونس الثورة حراك ثقافي واسع، قبل هذا كانت الندوات مثلا معروفة ومبرمجة تضع الوزارة أي وزارة الثقافة اسمها عليها، لكن الضوابط تأتي من جهات أخرى وتنتهي بالتقليد التعيس الذي استورده بعض المزايدين من أنظمة الحكم الشمولية في المشرق العربي بإرسال برقية لرئيس الجمهورية راعي الثقافة وحاميها
(لنتذكر أن أرفع وسام ثقافي تونسي علقه رئيس الجمهورية بنفسه على صدر مغنّ مصري شعبي صاحب أغنية «سلام عليكو») حصل هذا في مشهد «تبجّح» واضح لم يهمله الاعلام، حتى التلفزة وكان من الممكن أن يصل الدور لسعد الصغير أو أحمد عدوية مثلا، لماذا لا؟ في المشهد الماثل اليوم بعد الثورة كل شيء واضح وكل مبدع بقدره، وأستطيع القول إن كثرة الفعاليات الثقافية قد يراها البعض مبالغا فيها، ولكنني لا أراها هكذا فلندع ألف زهرة تتفتح ولننتظر نحن العبر.
التقيت هذا الأسبوع بأصدقاء أكاديميين قادمين من موسكو لحضور ندوة عن الترجمة من اللغة الروسية وإليها، ثم هاتفني أصدقاء قدموا الى مدينة الثورة سيدي بوزيد ليتحدثوا عن الرواية المغاربية في هذه المرحلة التي أنجز فيها شعبا تونس وليبيا العربيان ثورتيهما.
وتحول شارع بورقيبة الي مكتبة مفتوحة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، وفي الأسبوع الماضي افتتح وزير الثقافة أو وزير ثقافة الثورة الدكتور مهدي المبروك مركزا ثقافيا من المؤكد أنه سيكون له الدور الكبير في المسار الثقافي مادام يحمل اسم أحد كبار علماء تونس وهو رائد من رواد التنوير الشيخ محمد الفاضل بن عاشور.
وهناك أيضا ندوة لم أسمع بها من وسائل الاعلام المسموعة والمرئية عن الشيرازي خصّتها احدى الصحف التونسية بتغطية شاملة. كما وزعت شركة تأمين كومار جوائزها السنوية للرواية، سمعت الخبر من إذاعة تونس الثقافية فهذه الشركة لا تعرف استضافة أحد كما يبدو وجعلت جائزتها تونسية فقط، وقد سمعت الأخ يوسف عبد العاطي في ليلة الاحتفال «يحتج» على أن الجائزة يقرّرها مزاج شخص واحد، هو الذي يفعل كل شيء ويشكل لجان التحكيم الى آخره. ولا أعرف مدى صحّة أمر كهذا، ولكن ليست هناك جائزة تنشد الرصانة ليس لها مجلس أمناء هو الذي يخطط ويشرف على مراحل العمل وصولا الى النتائج، كما أن مبالغ هذه الجائزة بائسة جدا في حين أن جوائز المؤسسات التي تمنح للمؤلفات الثقافية تصل الى أضعاف هذا المبلغ، هذا عدا جوائز الثقافة التي تحمل أسماء ملوك وأمراء ورؤساء (جائزة المرحوم الشيخ زايد للكتاب تصل الى حوالي ثلاثمائة ألف دينار تونسي فأين منها خمسة آلاف أو ألف وخمسمائة دينار؟).
حتى الجائزة التي تحمل اسم الدولة وكان يمنحها الرئيس المخلوع لا تتعدّى الخمسة آلاف دينار مثلا. أقول هنا، استطرادا: إذا كان لا بدّ من جائزة فلتكن مجزية وإلا «بلاها» أي بدونها كما يقال في لبنان وبلاد الشام عامة. كما أن هذه الجوائز بحاجة الى تأكيد مصداقيتها حتى يذهب المرء الى الكتاب الفائز ويشتريه بكامل رغبته لأنه سيكون مليئا بالثقة أنه اشترى كتابا جديرا بالاقتناء والقراءة (أما رواية الشاعر الوهايبي فبالجائزة أو بدونها سيشتريها محبّو مؤلفها).
جائزة «الغونكور» الفرنسية مثلا أهميتها في تميّز الأعمال التي تفوز بها حيث ترتفع أرقام البيع الى عشرات الأضعاف وحيث تنفتح أعين المترجمين عليها لنجدها بعد فترة ليست بالطويلة في واجهة مكتبات العالم.
وكان للروائي العربي المغربي الكبير الطاهر بن جلون نصيبه في هذا بعد أن نال جائزة «الغونكور» قبل سنوات فصار اسمها حاضرا في الأدب الروائي العالمي. أعود لأقول إنني وكمتابع وأحيانا قليلة أقول «فاعل» قدر المستطاع أجد مناخا مختلفا في تونس اليوم ورغم كل ما فيه من أخذ وردّ فهو مناخ صحّي لأن التحول من حال الى حال ليس أمرا يسيرا! ولكن ما ينشره الكثيرون التنصّل من وجوه آليات العمل الثقافي التي سادت في البلد سنوات طويلة.