استأثر الدكتور المنصف المرزوقي يوم أمس بالكثير من الاهتمام إثر زيارته المفاجئة إلى سوق الجملة بالعاصمة وهاجمته صفحات المعارضة بشدة لأن بعض مستقبليه قد عمدوا إلى تقبيل يده.
ومثل كل أعضاء ثلاثي الحكم، يمثل الرئيس المرزوقي هدفا مفضلا لدى نشطاء المعارضة واليسار في الموقع الاجتماعي، وللأسف فإن الكثير من محتوى الهجوم عليه لا يزيد عن البذاءة والتهجم الرخيص ولا يليق بآداب الحوار السياسي خصوصا مع رجل عرف طويلا بصلابته النضالية ضد نظام بن علي وكل أشكال الدكتاتورية، غير أن الدكتور المرزوقي وفر يوم أمس مادة مثيرة ومغرية لخصومه الذين روجوا على نطاق واسع مقطع فيديو من بضع دقائق لزيارته المفاجئة إلى سوق الجملة. يصور الفيديو سعادة عمال السوق باستقبال الرئيس الذي بدا منشرحا وتلقائيا، وهو يمد يديه للتحية والتسليم، قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه: «ثلاثة أشخاص على الأقل يمسكون يد الرئيس ويقبلونها»، وهكذا عثر خصومه من المعارضة واليسار على مادة ثرية لإطلاق حملة عدائية تستنكر تقبيل أيدي الحكام. كتب ناشط من حزب يساري معارض: «هذه هي التحية الجديدة للثورة». قرأنا أيضا تعاليق كثيرة تعتبر تقبيل اليد إهانة للذات والكرامة البشرية، لا تليق بمناضل عرف بالدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، غير أن أغلب التعاليق التي نشرت حول هذه الحادثة غير قابلة للنشر للأسف الشديد لما فيها من تعد على الأخلاق والقوانين.
قبل ذلك، كتب ناشطون مقربون من ثلاثي الحكم أن السيد الرئيس كان منشغلا بجنون ارتفاع أسعار الخضر والغلال إلى حدود تفوق طاقة متوسط الدخل. وكان يمكن أن تبدو زيارته إلى سوق الجملة عملا سياسيا جيدا وإيجابيا، لولا لقطة «تقبيل يده». ولم نجد مقالات تدافع عنه باستثناء ما كتبته ناشطة حقوقية قريبة من حزب المؤتمر كتبت في صفحتها: «لا يمكن لأي عاقل أن يتصور أن الدكتور المرزوقي يوافق على تقبيل يده، لكن يبدو أن عملية تقبيل اليد وقعت دون إرادته وسط تزاحم الناس والحراس الشخصيين، كان يمد يده للناس للتسليم، و لم يكن يتوقع أن يقبلها أحد». غير أن هذا الكلام لم يقنع أحدا من خصومه ولا حتى أصدقاءه، وتم نشر ردود تقول إنه كان بإمكان الرئيس أن يحتج عند أول عملية تقبيل ليده ويستنكر ذلك، لكنه لم يفعل شيئا ولم يبد أي اعتراض، فواصل آخرون تقبيل يده كما لو أنه موافق على ما حدث.
يكتب حقوقي معروف وهو نقابي معروف: «ما حدث خطير جدا ولا يليق بالثورة ولا بالحكم الديمقراطي، حتى بن علي لم يجرؤ على مثل هذا، ما هي الرسالة التي يريد المرزوقي أن تصل إلى الناس من تقبيل يده؟».
يتفق الجميع على أن ما حدث غلطة سياسية وسلوكية كبيرة، أيّا كانت نوايا الدكتور المرزوقي أو ظروفه أو قدرته على منع ما حدث، وما بقي في أذهان الناس من زيارته المفاجئة إلى السوق هي تلك الحركة التي لا تليق، لأشخاص ينحنون لتقبيل يد السلطة، وضاعت الأهداف الأصلية النبيلة للزيارة وسط ضجيج الانتقاد والهجوم الحاد على الرئيس، وتوظيف ما حدث لمهاجمة ثلاثي الحكم. أقل الانتقادات حدة ضد المرزوقي يوم أمس جاءت من مناضل حقوقي في العاصمة كتب في صفحته: «لا شك أن نقص الخبرة السياسية هو السبب في هذه الورطة، سيحتاج السيد الرئيس إلى توضيح موقفه في أقرب وقت حتى لا تصدمه كرة الثلج المتعاظمة في الموقع الاجتماعي».