بحثنا طويلا في المواقع والصفحات التونسية عن مصدر هذا الخبر فلم نقف له على أصل، لكن أغلب صفحات المعارضة واليسار وحتى الصفحات المحايدة تنشر وتناقش هذا الخبر مع التأكيد على رقم 750 مليون دينار تعويضا من ميزانية الدولة لمساجين نظام بن علي. ومثلما لو كان الخبر صحيحا ومؤكدا، فقد ظهرت تعاليق تهاجم الحكومة وتعتبر أن مثل هذا القرار جائر وفيه استنزاف لموارد الدولة من أجل مساجين النهضة الذين هم الأكبر عددا في قائمة ضحايا النظام. وانطلق ناشط حقوقي من اليسار في تعداد قائمة المشاريع المنتجة التي يمكن إنجازها بمثل هذا المبلغ الضخم لكي يتهم الحكومة بسرقة المال العام بحجة أن التعويض لمساجين النهضة سوف يعود بهذا المال إلى خزائن الحركة. وكتب حقوقي معروف في صفحته مقالا لقي رواجا كبيرا جاء فيه: «أعلن أني لست مستعدا منذ اليوم لدفع ضريبتي المالية لفائدة الدولة حتى لا تمنحها الحكومة المؤقتة فيما بعد لمصلحة ما سمي بالتعويض عن الانتهاكات خلال فترة الاستبداد. استبداد لا أنا أتحمل مسؤوليته، بل أني حاربته منذ كان عمري 18 سنة». وكتبت مناضلة نقابية: «إن أقدمت هذه الحكومة المؤقتة على خطوة التعويض لمن تسمّيهم بضحايا النظام السابق بمبلغ 750 مليون دينار، فستشتعل البلاد من تحت أقدامها، وعند ذلك لن نلوم أيّ شخص أو جماعة أو طرف سياسي لأقدامه على ردّ الفعل، هذه الحكومة مؤقتة ولم ينتدبها الشعب للتعويض لمساجين النهضة». والغريب أن استنكار ورفض هذا المبلغ تعويضا لضحايا بن علي سريعا ما أخذ طريقه من صفحات «فايس بوك» إلى المجلس التأسيسي، حيث هاجم بعض نواب المعارضة الحكومة علنا، مثلما نقل عن النائب المعارض سمير بالطيّب: «اللي عذّبهم وسجنهم بن علي يمشيو لبن علي يعوّضهم والشعب التونسي ماهوش ذنبو يعوّضلهم... هذا الكلّو دليل على أن الحكومة تحبّ تلتفّ على أهداف الثورة وأنا أدعو كافة النخب والمجتمع المدني باش نتصدّاو للديكتاتوريّة». والغريب أيضا أن صفحات النهضة لم ترد في الأيام الأولى على هذا الخبر، كما صمت أعضاء الحكومة طويلا قبل أن يتم نشر تصريح للسيد سمير ديلو وزير حقوق الإنسان الذي قال إجابة على هذا السؤال: «قبل الإجابة، أمامكم مشروع الميزانيّة وهو موجود بمكاتبكم منذ شهر تقريبا، وعندكم 24 ساعة باش تجيبولي الفصل اللي فيه الأرقام من قبيل 750 مليونا أو حتّى غيرها كتعويضات وتعطيني في أي صفحة من البرنامج مذكور هذا الأمر»، ويضيف نشطاء النهضة في صفحات الموقع الاجتماعي أنه لا أحد من نواب المعارضة قد قدم شيئا للتدليل على وجود مثل هذا المبلغ للتعويض لضحايا نظام بن علي. ويوم أمس، لاحظنا وجود حملة منظمة في صفحات النهضة والمتحالفين معها لتكذيب المعارضة في مسألة مبلغ التعويض الذي تحول إلى مزايدة بين الخصمين التقليديين في تونس، يتداول ناشطون مقربون من النهضة مقالا قصيرا جاء فيه: «هل سمعتم كذبة ال 750 مليون دينار ؟ فهل تعلمون أن هذا المبلغ هو كل ميزانية وزارة حقوق الإنسان ولا يمكن تخصيصه لباب واحد أصلا». ويوضح ناشط إسلامي يقول إن لديه معلومات دقيقة حول ميزانية الوزارة: «قيمة التعويضات لكل من يثبت تعرضه لضرر مادي بسبب أفكاره أيا كانت، لا تزيد عن 15 مليون دينار، أي أقل من 2 بالمائة من ميزانية الوزارة، وهذا التعويض يشمل مساجين مختلف التوجهات الفكرية والسياسية وليس هناك أي تقسيم سياسي». لم نجد ردودا واضحة من نشطاء اليسار على هذا الموقف، باستثناء ناشط شاب اتهم النهضة بالتلاعب بالأرقام والتراجع عن برنامجها الأصلي في التعويض لمساجينها تحت ضغط الرأي العام، لكن مثل هذه المسألة كشفت عن التوظيف السياسي الخطير واستعداد كلا الطرفين لاستغلال أي حدث لإطلاق النار مباشرة دون تردد على خصمه.