لأول مرة بعد 14 جانفي تنظم وزارة الثقافة أسبوعا ثقافيا خارج حدود البلاد وفي دولة بعيدة لم تصل علاقاتنا معها الى ما هو مأمول لأسباب سنعود إليها . منذ أشهر عملت مصالح وزارة الثقافة على إعداد فعاليات الأيام الثقافية التونسية في موسكو الى أن كان الموعد النهائي 19 أفريل الذي شهد افتتاح هذه الأيام الثقافية الأولى في تاريخ العلاقات التونسية الروسية رغم الحضور الروسي الكبير في تونس منذ سنة 1917 عندما التجأ عدد كبير من الروس من البحرية خاصة الى مدينة بنزرت وصل عددهم الى 6 ألاف لاجئ هربوا من تداعيات الثورة البلشفية التي غيرت تاريخ العالم قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي واستفراد الولاياتالمتحدةالأمريكية بالعالم طيلة العشرين عاما الماضية. الوزارة اختارت عرض «تونسنا» لوليد الغربي مع معرض للفنون التشكيلية ومحاضرة حول الفسيسفاء للدكتور نجيب بالأزرق ومعرض للأزياء التقليدية وقد كان هذا البرنامج المختزل أبهى صورة عن تونس المتعددة. فمعرض الأزياء التقليدية كان رحلة أنتروبولوجية في تونس من أزياء المدينة العتيقة في تونس مرورا بالساحل والوسط الغربي وصولا الى الجنوب أما معرض الفنون التشكيلية فضم مجموعة من أهم الأعمال لفنانين أغلبهم مازال في أوج العطاء والإبداع وهي مجموعة تجسد الى حد كبير التيارات المختلفة في المشهد التشكيلي التونسي . بأجياله ورؤاه الفنية فاختيار المجموعة من اللوحات كان خاضعا لرؤية كانت موفقة في اعتقادي الى حد كبير خاصة أنها ضمت أسماء تشارك لأول مرة وهذا هو المطلوب بعد سنوات من احتكار نفس الوجوه والأسماء للحضور التونسي في الخارج. المستقبل هذه الأيام الأولى كانت ناجحة الى حد بعيد والمطلوب المواصلة أولا في تنظيم تظاهرات يكون لها انعكاس إيجابي على تسويق صورة تونسالجديدة من جهة ومن جانب أخر لابد من التنويع ففي المستقبل يمكن تنظيم معرض للكتاب المترجم اعتمادا على منشورات بيت الحكمة والمركز الوطني للترجمة كما يمكن تنويع التجارب الموسيقية وتشريك المسرحيين والكتاب والوجوه الفكرية البارزة التي لها إسهامات كبيرة في الثقافة الانسانية ويكفي أن نذكر هشام جعيط وعبد المجيد الشرفي ويوسف الصديق وعبد الوهاب المدب والطاهر البكري وغيرهم . فالكتاب التونسيون منتشرون في كل مكان وبعضهم تترجم أعماله الى أكثر من لغة ولا يمكن تجاهلهم في الأيام الثقافية في الخارج لأنهم تونسيون ومن حقهم أن يكون لهم موقع فيما يتعلق بثقافتهم التي يمثلونها في الخارج ويدافعون عنها باعتزاز. إن احترام منطق تمثيل الدولة والجمهورية التي ضحت أجيال من أجلها والتخلص من منطق الولاءات والمزاج واللون الحزبي هو الكفيل بأن يكون التمثيل التونسي أكثر نجاعة ففي السابق كانت هذه الأسابيع الثقافية تطبخ في لجان التنسيق فيتم اختيار أسماء محددة تحتكر الحضور الدائم كما حافظت الأسابيع الثقافية طيلة سنوات على فرقة الفنون الشعبية كممثل وحيد للفن التونسي حتى أن زميلا في «الشروق» كتب قبل عشرين عاما «متى يصمت هذا الطبال؟» في إشارة الى الأسابيع الثقافية التي كانت تكتفي بفرقة الفنون الشعبية فقط دون المجموعات والألوان الموسيقية الأخرى. إن تونس بلد صغير في مساحته وغني بتاريخه وتنوعه وقادر على أن يحقق عائدات أكبر من موارده الثقافية وخاصة المتاحف والمناطق الأثرية التي تعاني من الإهمال ومن التشريعات التي لا تتلاءم مع العصر ولا مع متطلبات النجاعة . فلابد من فتح الاستثمار في مجال الآثار الى الخواص عن طريق كراس شروط يضمن ملكية الدولة لها مع منح امتيازات في الاستغلال للخواص . الأيام الثقافية بموسكو بداية موفقة لكنها تحتاج الى تأكيد والى خطوات أخرى أكثر ثباتا وهذا ليس مستحيلا مع إدارة محايدة وبعيدة عن التوظيف الحزبي. السيدة فائقة العواني مديرة التعاون الدولي مع السيد عبد الحميد المرعوي من وكالة التراث