بوجمعة الرميلي أحد الوجوه التاريخية لليسار واحد من أعضاء الهيئة الوطنية لتفعيل مبادرة «نداء تونس» التي أطلقها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي. أين وصلت المبادرة؟ أي موقع للدستوريين فيها؟ وكيف يقيّم المرحلة الثانية من المسار الانتقالي ؟ «الشروق» التقته في هذا الحوار:
الى أين وصلت مبادرة «نداء تونس» التي يقودها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي وأنت أحد أعضاء هيئة تفعيلها؟
هي انطلقت من بيان سي الباجي قائد السبسي الذي يحظى باحترام في الأوساط الشعبية والشبابية الى جانب النخب وبالفعل أصبحنا ننتقل تدريجيا نحو أختيار أسم «نداء تونس» لأنه رغم أهمية الرمز واحترامنا لسي الباجي فنحن نريد بناء حركة ديمقراطية اجتماعية تقدمية إصلاحية تتجاوز الأشخاص رغم أهمية الأشخاص.
قمتم باجتماع أول في المنستير وقيل أن لكم اجتماعات أخرى في القيروان وقابس وصفاقس تمت الدعوة لطردكم عبر شبكة ال«فايس بوك» من هذه المدن ،كيف تقرأ هذه الردود على ال«فايس بوك»؟
ما حدث ليس أكثر من ترويج فايسبوكي ،هناك نية لعقد اجتماعات شعبية هذا شئ طبيعي لكن لم يقرر لا تاريخ ولا مكان أي اجتماع.وبالفعل وصلتني أخبار مثلا كتبوا لافتة في القيروان مكتوب عليها «الأقدام المدنسة للباجي قائد السبسي سوف لن تطأ أرض القيروان» وهذا في الواقع رد فعل يدل على ضعف لأنه مؤشر خوف وليس مؤشر ثقة لدى هؤلاء الذين يدعون لطردنا لأن التمشي الذي نقوم به لا يستهدف أحدا، هو مع وليس ضد ،مع ترسيخ البناء الديمقراطي الذي مازال هشّا ويحتاج الى تدعيم كل الجهود حتى نتجاوز هذا الوضع الهش الناتج عن اختلال التوازن السياسي في تونس. التوازن السياسي لا يبنى على ساق واحدة أو عمود واحد أو طريق واحد لابد من التنوّع ولابد من تجاوز هذا الاختلال الذي يسئ للمسار الديمقراطي.
من يقف وراء هذا الرّفض هل تتّهمون جهات بعينها؟
يقف وراء هذا الرفض من له أي مصلحة لكي لا تنجح تونس في تحقيق أهداف ثورتها التي لم تأت لنسف نموذج التجربة الإصلاحية التونسية وإنّما لتطويرها والتقدّم بها وأبرزت الثورة أن هناك أطرافا تريد لا التقدّم بالمشروع الإصلاحي التونسي وتجاوز ثغراته ونقائصه وإنّما الرجوع الى مراحل متخلّفة عمّا أنجزناه منذ نصف قرن رغم النواقص والعثرات والمنزلقات الخطيرة التي ناضلنا ضدّها وقاومناها وأعتبرنا أن الثورة هي فرصة تاريخية لتجاوز المنزلقات ولتدعيم البناء الإصلاحي وليس التراجع في شأنه وللأسف هناك أطراف تونسية لا تريد التقدّم بهذا المشروع بل التأخّر.
دعوة رئيس الحكومة السيّد حمّادي الجبالي بعث هيئة حكماء كيف تقبّلتموها وهل ترى فيها إقرارا بسوء تقدير الترويكا في إدارة المرحلة الأنتقالية الثانية؟
نحن نادينا بالتوافق والوفاق لأنّه لا حلّ خارج التوافق والوفاق بينما ما لاحظناه على مدى أسابيع هو نوع من الانتصار المبالغ فيه ونوع من احتلال وهيمنة على مفاصل الدولة وحتى نوع من «الافتكاك» بينما المفروض هو تظافر كل الجهود حتّى نتجاوز هذا الوضع الحسّاس والدقيق وإذا كان هذا اعترافا بالخطإ فنعتبره إيجابيا لكن الحقيقة أن هذا الاقتراح يطرح أكثر من سؤال حول مصداقيته ففي نفس اليوم تجد المقترح وضدّه وبالتالي نقول الشّرط الوحيد لإنجاح المرحلة الانتقالية بغض النّظر عن المقترحات هو تفعيل الشأن الديمقراطي في المجتمع والإعلام والنقابات والأحزاب والجهات حتّى يبقى هو الضّامن الوحيد والضمان لا تملكه السّلطة ولا المعارضة بل الشّعب حتّى نكون قادرين على تجاوز العقبات الانتقالية.
هناك جدل تباطؤ في إصدار المراسيم التي تؤسس للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والإعلام السّمعي البصري ألا ترى أنّها مؤشر إنتكاسة للمسار الديمقراطي؟
هناك صعوبات حتّى لا نقول انتكاسة وفي حقيقة الأمر أكاد أقول هناك عدم فهم لطبيعة الثورة لأننا إذا فهمنا الثورة أنّها غنيمة لمجموعة سياسية أو لشخص على حساب آخرين فيعني أننا عدنا الى السياق القديم بكل سلبياته. سرّ النجاح في تونس هو اعتبار الثورة لكل التونسيين ومراعاة الاختلاف وهذا يثري تونس وبالتالي من الاختلاف نصنع القوّة وليس من الاستفراد بالرأي نصنع القوّة وبالتالي هذا التباطؤ ليس في صالح تونس لأن الترويكا مطالبة بأن ترسل رسائل يوميا للشعب وللشباب لتعزيز الثقة والتأكيد على أننا سائرون نحو مجتمع تعددي ديمقراطي من أجل مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات لأن الزعامات قتلتنا ولابد من إيجاد آليات لتجاوز هذه العقلية لصنع مناخ جديد ونموذج يكون قدوة للعالم العربي والإسلامي والعالم الثالث حتى تنال تونس المنزلة التي تستحقها كبلد رائد.
يعاب على مبادرتكم ضمّها لشخصيات وأحزاب دستورية، «نداء تونس» هل سيكون فيها مجال «للدساترة»؟
المشروع موجّه للتونسيين جميعا وخاصة الذين لم يشاركوا في الانتخابات ونسبتهم تصل إلى 50 بالمائة وأكثر من مليون صوت ضائع ماذا يعني هذا؟ يعني أن هناك نوع من التونسيين لهم احترازات وليست لهم ثقة في شئ وبالتالي هدفنا الأوّل والأخير هو إعادة الثقة لكل التونسيين في بلادهم وفي ثورتهم وهذا لا يكون إلا بانخراط جميع التونسيين في البناء والمشاركة السياسية لأن الثورة ليست ملكا لحزب ولا لجهة ولا لشخص وهذا هو الضامن الوحيد لمستقبل تونس. أن يشارك الدستوريون في اجتماع دعت له جمعية تحتفل بالفكر البورقيبي أعتقد أن هذا أمر لا يدعو الى الاستغراب لكن ما قلناه نحن في ذلك الاجتماع وما قلته شخصيا من أن البورقيبية أصبحت شأنا وطنيا لا يمكن احتكارها أعتقد أنه شيء واضح. الاستقلال نفسه كان ثمرة عمل مشترك بين الدستوريين والنقابيين وكذلك بناء الدولة لأن تونس لها مسارات متعددّة وكان هناك توازن اجتماعي وبالتالي نحن نرى أن الثورة حرّرت الجميع من الكابوس بمن فيهم التجمعيين الذين حررتهم من التجمّع. هناك تجمعيون خاضوا تجربة اعتبروا أن فيها سلبيات وإيجابيات واعتبروا أن الثورة هي فرصة للتونسيين جميعا بدون استثناء إلاّ من طاله القانون والقضاء وبالتالي نحن نمدّ إيدينا للجميع ولكل التونسيين الذين يؤمنون بضرورة تحقيق أهداف الثورة. الإقصاء خارج الجهاز القضائي ألا ترى أنّه يهدّد الوحدة الوطنية بتفعيل الفصل 15 الذي يمنع جزءا كبيرا من التونسيين من المشاركة السياسية دون قضاء؟ أنا أتصوّر أنّه لابد من ترك الحرية للمواطن حتى يختار ومن كان طرفا في الفساد والقتل والسرقة أعتقد أنّه سيقصي نفسه بنفسه دون أن يقصيه طرف سياسي أخر .ومن غامر بالترشّح منهم فإن الصناديق ستقصيه وبالتالي الدعوة الى الإقصاء دليل على أن هناك من يريد التفكير بالنيابة عن التونسيين وأعتبارهم غير قادرين على الاختيار وهو نفس منطق ما قبل 14 جانفي الذي كان يفتقر للحرية. هذا شيء مرفوض ولا يتماشى مع المنطق الديمقراطي.
هل تتجه مبادرتكم نحو جبهة أو حزب جديد ؟
دون أن أجيب عن الشّكل بصفة نهائية لأننا مازلنا نناقش هذا فيما بيننا ومع أطراف أخرى وليس من حقّي عن أعلن عن أي شيء رسمي لم يتم الاتفاق عليه. لكن ما أقوله لك أن المشروع ليس فقط لإيجاد توازن ميكانيكي لإنتاج قوة سياسية مضادة بل هو مشروع إصلاحي فكري وسياسي يتنزّل في الحركة الإصلاحية التونسية من القرن التاسع عشر إلى اليوم ونثريه بكل الروافد الفكرية والثقافية المستنيرة والمنفتحة عن العالم وبالتالي فإن هذا المشروع قد يتحوّل قريبا إلى كيان سياسي وسنصل إلى الشّكل المناسب في الإبان لا قبل ولا بعد.