حتى قبل الإطاحة ببن علي كان كمال مرجان وزير الخارجية السابق والمسؤول الأممي الرفيع محل تساؤلات عن طموحاته ونواياه وعلاقته بالقوى الدولية الكبرى. ترشيحه منذ سنة 2005 لخلافة الرئيس المخلوع كان في نظر كثير من المراقبين الشرارة التي أشعلت فتيل حرب طاحنة بين بارونات القصر لقطع طريق قصر قرطاج أمام مرجان، الفاعلون وقتها أدركوا صعوبة لعب ورقة ليلى بن علي وحتى صخر الماطري فاختاروا مُغامرة سرعت الإطاحة بالنظام وهي مناشدة المخلوع الترشح لانتخابات 2014 في صائفة 2010 لقطع الطريق أمام «الصعود المفاجئ والسريع «لشخص اسمه «كمال مرجان».
بعد الثورة وجد مرجان نفسه في وضع صعب جداً في مواجهة «خطة منظمة» لعزله سياسيا وشعبيا من طرف جزء من القوى الثورية، ولكن أيضاً من داخل النظام المحتضر الذي حرصت القوى المؤثرة فيه على إقصاء كمال مرجان بكل السبل والجميع يتذكّر الطريقة المُهينة التي غادر بها كمال مرجان منصبه الحكومي مباشرة إثر الثورة لمّا كان مشاركا في اجتماع لجامعة الدول العربيّة بالقاهرة.
قد يكون السبب هو اقتناع الجميع بكفاءة الرجل ونزاهته والخوف من علاقاته الخارجية القوية وخاصة التوجس من ثقته المفرطة بنفسه حتى الاعتداد، والتي تجعله في نظر كثيرين عصيا على التوجيه ، فمشاكل مرجان بدأت مع حكومة محمد الغنوشي بإقحامه في قضية تمويلات «التجمع» وتعطيل تأشيرة حزبه المبادرة وهو ما تواصل مع الباجي قائد السبسي الذي لم يكن ينظر إليه نظرة ارتياح عكس سياسيين آخرين محسوبين على العهد السابق. العلاقة الباردة توضحت في الموقف السلبي الذي أخذته الحكومة حينها من ترشيح مرجان للإشراف الأممي على الانتخابات في الكونغو ، فرغم موافقة المبزع والسبسي على المسالة ردا على الطلب الرسمي للمفوض الإفريقي جون بينغ الا ان الأمور لم تتم بدعوى عدم التدخل في الشأن القضائي (تحجير السفر) رغم أن الوزير الأول السابق اصطحب معه وزير الصناعة السابق في عهد بن علي عفيف شلبي في رحلته إلى فرنسا وهو ممنوع من السفر.
العلاقة بين السبسي ومرجان أصبحت بعد مبادرة الوزير الأول السابق ونداء الوطن بالمنستير الرقم الصعب في معادلة الجبهة السياسية التي قد تجمع شتات المعارضة وتحقق التوازن المطلوب مع الترويكا الحاكمة، وواضح ان الباجي قايد السبسي قرر بصورة حاسمة مواصلة العمل السياسي في اتجاه مناوئ للنهضة وفي نفس الخط الذي سار فيه الحزب الديمقراطي التقدمي قبل انتخابات أكتوبر، وهو يعول طبعا على 3 أمور هي إمكانية تغير المواقف الدولية من الإسلاميين بعد الانتخابات الفرنسية والأمريكية واحتمال تراجع شعبية الترويكا والنهضة تحديدا ان فشلت الحكومة في تنفيذ برنامجها وأخيرا إقناع الدساترة والتجمعيين بتسليم راية «البورقيبية» لشخصية يختارها سي الباجي من خارج المنظومة الدستورية قد تكون الطيب البكوش أو أحمد نجيب الشابي.
كمال مرجان مازال يحتفظ بأسراره رغم ان الوقت لم يعد في صالحه، فالمسالة الوحيدة التي تبدو محسومة عنده هي رفضه الدخول في مواجهة مع النهضة فقد أعلن مساندة نقدية للحكومة ولم يسجل له قبل ولا بعد الانتخابات اي تصريح او تصرف عدائي تجاه النهضة وهو ما شجع كثيرا من المراقبين على الحديث بأنه قد يقود تيارا سياسيا على أساس المشاركة لا العداء والتنافس لا القطيعة مع النهضة ، وما قد يكون شجع على ذلك هو ان المرجعية الدستورية التي ينتمي اليها لا تحمل اي عداء أيديولوجي للإسلاميين وانما خلافات اجتهادية في تقدير علاقة الإسلام بالحداثة اثبت قرار النهضة اعتماد الفصل الأول من دستور 1959 الذي أعده الدساترة انها خلافات تحت السيطرة. ولا يمكن ان تؤدي الى تقسيم المجتمع بل على العكس الى إثراء الحياة السياسية.
ماذا يريد كمال مرجان هذا هو السؤال؟
هو دون شك متحفظ على كثير من خيارات سي الباجي ولكنه كان أول من ساند مبادرته ولم يغلق الباب أمام الانضمام اليها ، مرجان اعلن مساندة نقدية للحكومة ولكنه لم يتخذ اي خطوة عملية لإزالة الاحتقان بين النهضويين والدساترة ولم يبرز له موقف يذكر من محاولة عديد الأطراف إسقاط الحكومة بالقوة في الأسابيع الماضية سوى نفيه أية علاقة له بالحديث عن المؤامرة المزعومة.
رئيس حزب المبادرة يريد تجميع الدساترة ويرفض إقصاءهم من الحياة السياسية ولكنه في المقابل مصر على ان لا يحمل حزبه صفة «الدستورية» وهو ما أفشل مسعاه التوحيدي مع الحزب الدستوري الجديد.
كمال مرجان يؤكد انه حريص على ان يكون فوق الصراع الجهوي ولكن يتهمه كثيرون بأنه يتصرف بعقلية جهوية منعت حزبه من الانتشار خارج الساحل. في الحقيقة ثمة إجماع على وطنية الرجل وكفاءته وأهليته للعب دور محوري في الساحة السياسية ، وثمة تقدير لرصانة الرجل وموضوعيته واعتداله وبعده عن القرارات الانفعالية او الانتهازية ضيقة الأفق وهو ما يفسر الى حد كبير تأخره في أخذ مواقف حاسمة، ولكنه مطالب مع ذلك بكشف أوراقه وحسم خياراته بوضوح حتى يفهم الجميع دون لبس ماذا يريد وما هو تصوره لمستقبل الحياة السياسية.