يتواصل السباق بين زعامات عشرات الأحزاب السياسية والقائمات المستقلة من أجل إحداث قطب سياسي أو أكثر يكون مؤهلا للعب دور المنافس الحقيقي لحزب النهضة في المواعيد السياسية والانتخابية القادمة. وقد أعلن هذا الاسبوع عن أكثر من مبادرة جديدة فيما دخل إئتلاف حزبي" الديمقراطي التقدمي و"آفاق" وحزب الجمهورية، مرحلة جديدة في هذا "السباق" خلال التجمع الذي نظمه في قصر المؤتمرات بالعاصمة بحضورعدد كبير من انصاره واصدقائه. وحسب المؤشرات الحالية فأن "الفراغ السياسي" وطنيا مايزال كبيرا جدا خارج فضاء حزب النهضة الذي يكاد يكون الوحيد الذي له فروع محلية وجهوية والاف المنخرطين وعشرات الالاف من الانصار. بل ان رئيسه راشد الغنوشي تحدث سابقا عن " مليون عضو" في حركة النهضة.
التصدي لبروز "حزب حاكم جديد" ؟
لمحاولة ملء هذ الفراغ تعددت المبادرات التي يبدو أن " الحافز" الاول وراءها جميعا هو "التصدي لسيناريو بروز حزب حاكم جديد" بعد الانتخابات البرلمانية القادمة التي قد تكرس تفوق " النهضة " وتذرر الاحزاب اليسارية والقومية والليبيرالية والدستورية.. في هذا السياق جاءت مبادرات عديدة من ابرزها ثلاث، لعل أكثرها حضورا إعلاميا مبادرة "الاحزاب الوسطية " اليسارية والليبيرالية بزعامة أحمد نجيب الشابي ومية الجريبي عن الديمقراطي التقدمي وياسين ابراهيم عن حزب افاق. وكانت حركة افاق استقطبت عدة شخصيات سياسية (بينها وزراء في حكومة قائد السبسي) وحزب التقدم بزعامة الدكتور فتحي التوزري الذي أصبح مع مجموعة من رفاقه أعضاء في المكتب السياسي للحركة وفي مجلسها الوطني الموسع.
قطب حول الباجي قائد السبسي
في الأثناء تتواصل الحركية حول مبادرة السيد الباجي قائد السبسي التي دعمتها عدة شخصيات وطنية. ويسعى عدد من صناع القرار السياسي ومن النشطاء السياسيين الحاليين والسابقين الى ان يقود الوزير الاول السابق هذه المبادرة وان يجمع حوله اجيالا من الدستوريين والديمقراطيين المعارضين السابقين من مختلف التيارات. ولعل من ابرز النقاط التي تحسب لفائدة الباجي قائد السبسي نجاحه خلال المرحلة الانتقالية التي مهدت للانتخابات في تجميع تيارات عديدة حوله وفي احتواء كثير من التناقضات كادت تتسبب في انفجارات وفي اجهاض الانتخابات. ومن بين ابرز الشخصيات التي تقف الى جانب الباجي قائد السبسي رجال اعمال ومثقفون مستقلون ووزراء في الحكومة السابقة على رأسهم 3 محامين هم السادة رضا بالحاج والازهر العكرمي والعميد الازهر القروي الشابي..
47 حزبا للدستوريين؟
لكن من أبرز التحديات التي تواجه هذه المبادرة ،"التناقضات" والخلافات بين انصارها الافتراضيين الرئيسيين: أي الدستوريون والتجمعيون المقسمون حاليا بين 47 حزبا والذين يعلنون استعدادا للعمل الجماعي لكن لا احد يضمن ان قياداتهم ورموزهم ستقبل تقديم تنازلات عن " الزعامة" لاسيما السادة كمال مرجان ومحمد جغام والصحبي البصلي ومنصور معلى وفوزي اللومي...الخ ومن بين نقاط ضعف هذه المبادرة ان زعيمها الرمزي لاينوي الترشح في الانتخابات القادمة لكنه يريد ان يلعب اساسا دورا تجميعيا.. واذا افترضنا أن توحّد الدستوريون والتجمعيين السابقين فهل يمكنهم ان يتحولوا مجددا الى حزب سياسي جماهيري وان يستقطبوا اكثر من بضعة مئات الالاف من الاصوات في الانتخابات القادمة التي قد يشارك فيها الشباب والجيل الجديد بنسبة اكبرمن انتخابات 23اكتوبر؟ " اليسار الحداثي " المبادرة الثالثة التي تقدم نفسها بديلا عن النهضة وعن التحالفات السياسية الاخرى يقودها رموز من حزب التجديد والحزب الشيوعي السابق ومجموعة من حركة اليسار الماركسي المحظورة في عهدي بروقيبة وبن علي.. وقد تشكلت مؤخرا مبادرة لتوحيد حزب "العمل" بزعامة الدكتور عبد الجليل البدوي وحزب "التجديد" وبقية مكونات " قطب الحداثة". لكن كل ردود الفعل على هذه المبادرة في صفوف بعض اوساط "اليسار الحداثي " والمناضلين الماركسيين والاشتراكيين والقوميين تؤكد ان الامر يتعلق الى حد الآن بمئات من النشطاء الذين لديهم اشعاع نسبي في صفوف النخبة لكن مثل هذا الاشعاع لا يعني بالضرورة احتمال الفوز بنسبة عالية من الاصوات في الانتخابات القادمة. يضاف الى كل هذا أن احزابا يسارية فاعلة في النقابات لن تنخرط في هذا التكتل مثل احزاب "العمال" بزعامة السيد حمة الهمامي و"الشعبي" بزعامة جلول عزونة و"الاشتراكي اليساري" بزعامة حمة الكيلاني والعمل الوطني الديمقراطي بزعامة عبد الرزاق الهمامي وحركة الوطنيين الديمقراطيين بزعامة شكري بلعيد.. مفاجآت سياسية في الافق هل يعني هذا أن " الفراغ السياسي" حول حزب النهضة وحليفيه في "الترويكا" أصبح "قدرا" ومؤشرا على "شلل الحياة السياسية " التي اربكها الخلل الواضح في موازين القوى؟ بعض المتفائلين يراهنون على حدوث مفاجآت سياسية" خلال الاشهر القادمة سيفرضها الواقع وسيرجحها اقتناع قوى تونسية واجنبية معنية بمستقبل تونس في الاعوام القادمة. هذه المفاجآت قد تأخذ اشكالا عديدة لتجاوز "البدائل التقليدية عن النهضة "من اهمها اثنان: + تحقيق تحالف علني وواضح بين الشخصيات والزعامات والاحزاب الملتفة حول مبادرتي الباجي قائد السبسي و تحالف "الديمقراطي التقدمي افاق والحزب الجمهوري"؟ + بروز قوة سياسية جديدة منافسة للنهضة ولليسار في نفس الوقت تكون توجهاتها حداثية ثقافيا واجتماعيا وتحررية ليبيرالية اقتصاديا لكن منطلقاتها عربية اسلامية. من داخل "المنظومة العربية الاسلامية " هذه المبادرة يمكن أن تستقطب القوميين العرب (الناصريين والعصمتيين على وجه الخصوص) والاسلاميين المستقلين عن النهضة الذين سبق ان انسحبوا منها أومن " حركة الاتجاه الاسلامي" سابقا، الى جانب تيار عريض من التكنوقراط والكوادر الصغرى للدولة من بين الدستوريين والتجمعيين السابقين الذين لم يتورطوا في الفساد والاستبداد. ومن بين ما قد يدعم مثل هذا السيناريو بروز عشرات الاحزاب والقائمات الانتخابية التي ضمت القوميين و"الاسلاميين المعتدلين " (على يسار النهضة) والدستوريين الذين يختلفون ايديولوجيا وفكريا مع اليسار الماركسي بمختلف مدارسه.. المال السياسي والاعلام وقد تتدخل عناصر عديدة في احداث مفآجات اخرى مماثلة لمفاجأة فوز قائمات " العريضة الشعبية " بزعامة د. محمد الهاشمي الحامدي بالمرتبة الثالثة وطنيا والمرتبة الاولى في ولاية سيدي بوزيد. كما لا يستبعد بعض المراقبين أن تتدخل أوراق معقدة في تغيير المشهد السياسي وانهاء حالة الفراغ حول "الترويكا " الحاكمة حاليا. ولعل أهم تلك الاوراق الاعلام و"المال السياسي" في مرحلة تشكو فيها الغالبية الساحقة من الاحزاب الصغيرة من معضلة التمويل ونقص الموارد اللازمة لتوظيف كوادر متفرغة للعمل السياسي والحزبي.. لان العصر اصبح يشترط الاحتراف والمهنية ويرفض الارتجال في كل المجالات.. ومن بين الاوراق " الخفية " حاليا: طريقة تفاعل الراي العام مع اداء حكومة الترويكا مستقبلا، وسيناريوهات نجاح تلك الحكومة اوفشلها في معالجة معضلات البطالة والفقر والفلتان الامني..