يبدو أنّ ساعة الجّد في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس قد حانت، فبرغم تواصل بعض الشعارات «الثوريّة» هنا وهناك يتّجه المشهد إلى الإجابة عن أسئلة الحيرة العالقة وحسم قضايا مصيريّة ممّا قد يُنهي جاذبيّة الصدام لفائدة جاذبيّة التوافق والانسجام. من المؤكّد أنّ مسار الانتقال السياسي التونسي ظلّ مشوبا بالكثير من المخاوف والمحاذير علّ أبرزها التوجّس من سقوط التجربة في إعادة استنساخ نموذج الحزب الواحد المهيمن سواء بقصد أو دونه. وبعيدا عن ما يظهر على سطح الأحداث وما يبدو من تصريحات ونقاشات علنيّة من هذا الطرف أو ذاك فإنّ الجزء الأهمّ من آليات وشروط تحديد مستقبل التجربة السياسيّة التونسيّةالجديدة ما يزال يعتملُ في الكواليس المحليّة والإقليميّة والدوليّة. لمّا اندلعت شرارة الثورات العربيّة لم تكن أجندة الفعل السياسي واضحة، فسقوط الأنظمة الحاكمة كان على شاكلة تساقط قطع «لعبة الدومينو» أو خلط الأوراق في إحدى لعب الورق المعروفة، تبعثرت القطع والأوراق في كلّ حدب وصوب، وكان لا بدّ من فترة لمهندسي الأوضاع والسياسات من وقت لإعادة تجميع تلك القطع والأوراق ورسم ملمح نهائي جديد. في تونس، حيث الأوضاع تبدو أفضل من غيرها من الدول وخاصة مصر وليبيا وسوريا، وعلى عكس ما بدا من نتائج ملموسة صوب الاستقرار وإعادة التحكّم في شروط اللعبة السياسيّة فإنّ أشياء كثيرة ظلّت محجوبة ومخفيّة وغير واضحة للعيان ، برغم مسار التأسيس الّذي بلغ الانتخابات وانتصاب سلطة جديدة ثلاثيّة الأضلع وبروز قوى معارضة مشتّتة، برغم ذلك ما تزال الصورة غائمة ويشوبها الكثير من الضباب وتطرح العديد من أسئلة الحيرة. حقيقة ما جرى يوم 14 جانفي 2011 وعلاقة المؤسستين الأمنيّة والعسكريّة ومخاطر المجموعات المسلّحة ونوايا ترويكا الحكم ومخططات المعارضة وملف رجال الأعمال الممنوعين من السفر ومسألة إقصاء التجمعيين من الحياة السياسيّة هي من ضمن تلك الأسئلة، ولكن من أبرز الأسئلة المطروحة الآن :ماذا بين حركة النهضة وقطر وقائد السبسي؟ هل هي بداية لأجندة سياسيّة جديدة؟ مع الانتصار لاستقلاليّة القرار الوطني، فإنّ سلوكات السياسيين عندنا تُوحي لنا بأنّهم يقعُون أحيانا في عمليات استدراج من قوى إقليميّة ودوليّة ويفرضون علينا طرح ذلك السؤال.