لقد تكررت ظواهر الاعتصامات غير الشرعية وجرائم قطع الطرق بالبلاد حتى صارت وللأسف الشديد سلوكا يوميا يكاد يمسح كل الجهات. ولذلك توجب المسؤولية الوطنية تحديد المسؤوليات حتى تتضح الحقيقة ويتحمل كل طرف مسؤوليته حتى لا يتسع الخوف ويعجز الخارق عن رقته.
إن الاعتصامات غير الشرعية التي تقوم بها بعض المجموعات مهما كانت الأسباب الدافعة لها وأخطر من ذلك جرائم قطع الطرق تمثل تعديا صارخا على حقوق الآخرين وظلما وانتهاكا صارخا لكل أعراف وقواعد التعايش الاجتماعي لأي مجموعة بشرية تعيش مع بعضها، فهذا مواطن يكون آخر مودع له للسفر أو للتداوي هو يوم قطع الطريق،وهذا محام يكون مكلف من حريفه المحكوم عليه بالاعدام او بغرامات مالية هامة يكون يوم قطع الطريق هو آخر يوم له لتسجيل الاستئناف او التعقيب وهذا مهاجر عائد الى بلد اقامته لتجديد اجراءات الاقامة يكون يوم قطع الطريق هو آخر مودع لسفره الذي حجز له تذكرة سفر، وهذه سيارة اسعاف تحمل مريضا او مصابا في حادث طريق يمكن ان يهلك اذا لم يصل في بعض ساعات وقس على ذلك من المصالح والحقوق المتناقضة للمواطنين كل حسب ظروفه يقع ضياعها كلها فجأة من قبل مجموعات قطع الطرق التي هي في القانون التونسي تكون جناية وفي التشريع الاسلامي هي جرائم حرابة تعاقب بأشد العقوبات في التشريعين الوضعي والسماوي، وأما عن خطورة الاعتصامات غير الشرعية فنكتفي هنا بالتذكير بالاعتصام الخطير الذي حصل بجهة باجة حين عمدت مجموعات صغيرة الى الاعتصام امام معملي خميرة الخبز، اذ لولا تدخل الجيش الوطني لأحرقت تونس ربما بأكملها لأنك تصور فقدان الخبز عن المواطنين؟ إن المسؤولية عن هذه الافعال هي حسب التدرج من الاخطر الى الاقل خطورة سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة اوبحكم المسؤولية هم: 1) العصابات التي تقوم بهذه الافعال، 2) الدولة، 3) المعارض، 4) الاعلام، 5) المواطن نفسه. 2) مسؤولية عصابات الاعتصامات غير الشرعية وجرائم قطع الطرق: إن هذه العصابات تنفذ جرائم خطيرة يطالها القانون ولابد هنا من تفعيل القانون لأننا أمام اختبار خطير للغاية، إما الدولة وهي تعني تطبيق القانون، وإما الفوضى وهي تعني الفوضى وعبث العصابات بالوطن والمواطنين ولذلك لابد من تضافر الجهود بطريقة حازمة خاصة بالتنسيق بين الجيش الوطني والأمن والنيابة العمومية ليتحمل كل مسؤوليته حتى تحمي البلاد من الانزلاقات الخطيرة التي تحاول هذه العصابات جرها نحوها. 2) مسؤولية الدولة : ان الدولة وهي المتكونة حاليا من رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس التأسيسي والشعب عليها واجب حماية الوطن والمواطنين وذلك بالتصدي بحزم في نطاق القانون لكل هذه الاعمال الخطيرة اذ كيف يقبل في بلاد فيها جيش أكدت أحداث الثورة فعالية تدخله وسلط أمنية بدأت تستعيد بعض دورها تقوم أمامها جميعها مجموعات صغيرة بقطع الطريق او بمنع العمال من دخول معمل او بمنع القطار من مواصلة السير بالسكة الحديدية ويبقى الجميع مجدوهين هذا يراقب عن بعد وآخر غير مبال وثالث يحاور ومصالح الناس معطلة، إن الثورة قامت ضد الظلم فلا يمكن ابدال الظلم بظلم وقطاع الطريق هم ظلمة بأتم معنى الكلمة كما ان الديمقراطية ليست الفوضى العارمة واتباع النزوات الشخصية بل هي نظام حكم رشيد ينظم حياة الشعوب يكون القانون فيه هو الفيصل لحل النزاعات وتجاوز الاشكالات. 3) مسؤولية المعارضة : إن موقف المعارضة من هذه الأفعال التي أضرت بالبلاد هو موقف غير جدي بل تغلب عليه الانتهازية السياسية لاعتقادها الخاطئ ان هذه الافعال وأمثالها ستربك الحكومة وبالتالي يفشلها وهذا الامر وقع تداوله عبر وسائل الاعلام ادعاءً او نفيا، فدور المعارضة الجدي هو صحيح تعقب سلبيات الحكومة لكن بأسلوب سياسي يترفع عن أساليب المطبات والتهيؤ للحكم بعد الحاكم الحالي بما تقترحه من مشاريع وتقدمه من مساهمات لحل الازمات المتعددة التي تعصف بالبلاد ومحاولة الحيلولة دون اغراق السفينة التي لو غرقت لا سمح ا& ستغرق بالجميع، وبالتالي وجب على المعارضة التصدي من موقعها لهذه الظواهر الخطيرة لا تشجيعها والنفخ فيها من منطلقات ايديولوجية لا تزيد الأمور الا تعقيدا. 4) مسؤولية الاعلام : للاعلام عامة والمرئي منه خاصة مسؤولية كبرى فيما يهز البلاد الآن من اعتصامات غير قانونية وقطع للطرق بطريقة أضرت بالمصلحة الوطنية لأن الاعلام عضو أولا التزام الحياد وبالتالي عرض المشاهد السلبية والايجابية كما هي فهو دائما يغلب كفة المشاهد السلبية وثانيا فعوض تقديم هذه المشاهد بطريقة نقدية تساهم في عدم تشجيع هذه الظاهرة فهو بالعكس يتبع أسلوبا تأجيجيا لها لأنه يكتفي بصب الزيت على النار وينسحب فمثلا يذكر أنه اعتصام بمنطقة كذا وآخر بمدينة كذا وقطع طريق بمنطقة كذا وأخرى بجهة كذا، وذلك من أجل سياسة التهميش والحرمان والبطالة..؟ دون ان يتبع ذلك بحوار او بملاحظات ايجابية لاقناع المعتصمين مثلا بحل الاعتصام او قطّاع الطريق بفتح الطريق او على الأقل ابراز سلبيات هذه الافعال ومخاطرها على المواطن الذي عوض عزة الثورة صار مسكينا لدى هؤلاء يتلاعبون بحقوقه كيف شاؤوا ولذلك وجب على الاعلام في رأينا تغيير هذه المنهجية لأنه ليس معارضا للسلطة فهو اعلام عمومي ملك للشعب صاحب السيادة والثورة الذي حرره من استعباد النظام البائد له لعقود. 5) مسؤولية المواطن : قد يصاب المرء بخيبة أمل عندما شاهد بعض أبناء هذا الشعب العظيم الذي فجّر هذه الثورة المجيدة التي صارت منوال الشعوب العربية في التحرر والانعتاق يمارسون أساليب غير قانونية بل وغير مقبولة مثل قطع الطرق لمنع اخوانهم المواطنين من قضاء حاجياتهم والقيام بواجباتهم بل والاعتداء على حقوقهم، فكيف يظلم من قام بثورة ضد الظلم؟ وكيف يقهر أخاه المواطن من ساهم في ثورة ضد القهر؟ او يغلق معمل او ادارة من قبل بعض الأنفار للحصول الحيني على مستحقات وإن كانت في بعضها مشروعة لكن لابد لها من وقت ومن اجراءات لانجازها فهو يعتدي أولا على حق أخيه العامل الذي يعمل في هذا المعمل الذي قام بغلقه ثم هو يعتدي على المجموعة الوطنية المستفيدة من هذا المعمل ثانيا ثم على الاقتصادي الوطني بأكمله وبالتالي على تونس كلها ثالثا.
لئن كان من حق المواطن التشغيل والحياة الكريمة خاصة بعد ان فجر ثورة الا ان عليه اتباع الأساليب القانونية والحضارية لنيلها وان يبعد قدر ما يستطيع عن الأساليب التعجيزية والانتهازية وان يجعل مصلحة تونس هي مصلحته الشخصية حتى تستطيع السفينة تجاز بعض المضيقات العاصفة وتبحر في المحيطات الواعدة.