من يفتح الملفات التي شابها الفساد وغابت عنها آليات الرقابة والمحاسبة. صاحب مصنع لخياطة الملابس الجاهزة وعد بتشغيل المئات قبل الثورة لكنه لهف مئات الالاف من قروض وامتيازات وبعد الثورة فر تاركا الآلات وعددا من العاطلين. بعد ثورة 14 جانفي تعالت اصوات العاطلين عن العمل من كل الفئات بالمناطق الحضرية والريفية بمدن الحوض المنجمي بقفصة (الرديف المظيلةام العرائسالمتلوي) طلبا للحصول على موطن رزق يحفظ كرامتهم ويخفف عنهم المعاناة التي رزحوا تحتها طيلة فترة النظام البائد الذي جعل من الفقير يزدادا فقرا والغني يزداد غناء نتيجة الحماية وسياسة فتح الابواب التي وجدها المستثمرون من اعوان سلطة الفساد.
ونظرا لغياب المصانع والمعامل والمشاريع الاستثمارية وحتى وان توفرت فقد منحت هذه المشاريع لرجال اعمال وعوض ان يمتصوا كثافة نسبة البطالة المرتفعة بهذه المدن امتصوا الامتيازات التي وفرت لهم 30 بالمائة من منحة الاستثمار بالمناطق الداخلية و50 بالمائة من اجور العملة من أصحاب الشهائد العليا ممنوحة من وزارة التشغيل لمدة سنوات تسجيل اغلب العملة من الشباب عبر آليات التشغيل وهو ما يعفيهم في اغلب الأحيان من دفع اجور العملة او يقتسمون الاجور مع الدولة فيدفعون نسبة والباقي يتكفل به صندوق التشغيل (مصانع لصناعة الكوابل بأم العرائس مصنع للخياطة بالرديف مصنع خياطة وملابس جاهزة بالمتلويوالمظيلة مصنع لصناعة كوابل السيارات بالمتلوي).
و هو ما يكشف حجم الفساد الذي كان ينخر قطاع الاستثمار الخاص بمدن الحوض المنجمي خاصة ان رجال الاعمال وجدوا جميع هذه الفضاءات الصناعية مهيأة وجاهزة وفرتها الحكومة بالتعامل مع شركة فسفاط قفصة والمعمل الكيميائي والقطب التكنولوجي وصندوق اعادة توجيه مدن الحوض المنجمي ضمن مشاريع ما يسمى بالافراق في ظل غياب اليات الرقابة والمحاسبة واستعمال الاجهزة الامنية للتصدي لأي حركة احتجاجية ولأي محاولة تهدف الى كشف المستور.
بعض من رجال الاعمال هؤلاء دخلوا الى مدن الحوض المنجمي مسنودين بوزراء المخلوع ليقدموهم للاهالي وليوفروا لهم الارضية ويعبدوا لهم الطريق لاستغلال اليد العاملة بهذه المناطق المهمشة والتي اراد لها النظام السابق ان تبقى كذلك.
هؤلاء الذين اطلق عليهم اعوان النظام السابق رجال اعمال دخلوا سنة 2009 الى مدن الحوض المنجمي وقدموا انفسهم على انهم الفاتحون الجدد لعصر التنمية والاستثمار بمدن الحوض المنجمي وسيقودون معارك ضد البطالة والفقر وكانوا امام وسائل الاعلام يثنون ويحمدون ولي نعمتهم الرئيس المخلوع الذي استدعاهم للقصر ووفر لهم كل الامتيازات لتشجيعهم بتعلة بعث المشاريع بمدن الحوض المنجمي. صاحب احد معامل الخياطة بالرديف وخلال تصريح له قال بأن المخلوع قد مكنه من 10 مليارات وأرسل معه محافظ البنك المركزي «توفيق بكار» ليقدمه للأهالي خلال حفل بهيج وزعت خلاله المشروبات وذبحت خلاله الخرفان.
منذ سنة 2009 تاريخ انطلاق هذه المشاريع الى سنة 2010 تاريخ انطلاق ثورة الكرامة والحرية عاث هؤلاء فسادا واستغلالا لليد العاملة ليلعبوا بكل القوانين الشغلية واطردوا كل عامل احسوا بانه يطالب بحقوقه او بصدد دعوة العمال لبعث نقابة استغلوا حاجة الشباب للعمل بهذه المدن ليؤجروهم بأجور زهيدة لمدة تزيد عن 12 ساعة من العمل المتواصل يوميا.
وواقع ما بعد الثورة كان حجة ودليلا قاطعا على صحة ما نورده من معطيات عززتها مساحات الحرية والمطالبة بالحقوق ما بعد الثورة ليجد رجال الاعمال انفسهم وجها لوجه مع هؤلاء العمال في ظل غياب الرقابة الامنية التي وفرها لهم المخلوع.
فأغلقت هذه «السجون» ابوابها وهرب من هرب بجلده تاركين تجهيزاتهم وألاتهم مع حواسيبهم اما في حماية وحدات الجيش او محجوزة من قبل العمال انفسهم وللعلم فأن اغلب هذه المحجوزات يجب ان تعود للدولة وان يفتح ملف تحقيق مع اصحابها اين وجهوا هذه المنح والامتيازات التي تقاضوها من الدولة آنذاك.