وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار تكشف لأول مرّة عن عملية باب سويقة (1-2)
نشر في الشروق يوم 22 - 05 - 2012

جريمة لا ككل الجرائم اجتماعية سياسية بالأساس خّلفّت قتيلا ومعوقا و سنوات طويلة خلف القضبان وخمسة أحكام بالإعدام شنقا تم تنفيذ ثلاثة منها تحت جنح الظلام كما خلّفّت 25 ألف سجين سياسي إسلامي و 5 ألاف مهجّر و125 ألف آخرين بين مشرد ومحروم من العمل ..على مدى عقدين من الزمن ..في الحملة غير المباشرة على الإسلاميين.

هذه هي واقعة «باب سويقة» أو «جريمة الفجر الأخير» الحبلى بالأسرار والخيانات والملفات المشفّرة..قضية تحمل في خباياها الكثير الكثير من الحكايات التي لا تنتهي إلا لتتضارب من جديد رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن.
مالذي حدث في الكواليس؟ من خطط أحداث «باب سويقة» داخل أروقة الداخلية؟ وهل فعلا أن الرئيس السابق «بن علي» كان يعمل مع الأشخاص المعنويين وليس الجهاز نفسه ؟ لماذا أقالوا عبد الحميد بالشيخ إثر القضية؟ من قرر تجميد ونقل كل شهود العملية قبل حدوثها إلى أماكن أخرى وإبعادهم نهائيا عن الوزارة؟..لماذا يؤكد المتهمون أنهم أبرياء من تهمة القتل في حين يلّخص حزب النهضة السياسي الوجيعة في اعتراف شامل بالعملية دون التوقف نحو التفاصيل التي قد تحمل أدلة براءة ؟
أسئلة حيرة رافقت التحقيق بحثا عن إجابات مدعومة وموثقة لكل سؤال ؟
هل أعدمت فعلا مجموعة باب سويقة عمارة السلطاني؟ ولماذا اذا تسلحوا بالعصّي للاعتداء على الحراس ؟
هل استعملوا فعلا ماء الفرق؟ كما دونّت وسائل الإعلام والتاريخ؟
لماذا سحبت الداخلية سيارات الشرطة ليلا قبل الجريمة؟
وكيف كتبت التقارير السرية عن العملية قبل 24 ساعة وهي التي كان المفروض أن تكون عملية سريّة ولماذا غضب كاتب الدولة يومها وتوعد من كتبا التقرير ؟لماذا تمت عملية إقالة من كتبا التقرير بخط اليد عن الجريمة وطالبوا باتخاذ الاحتياطات قبل حدوثها؟
من هم المجهولون الذين كانوا يرتدون «أحذية بوردكان» والحال أن كل المتهمين بحسب الوقائع كانوا يلبسون أحذية رياضية زمن وقوع الجريمة ؟
لماذا سجّلوا في ذاكرتنا أن الضحية عمارة السلطاني أوثقوا يديه ومن ثم سكبوا عليه البنزين والمواد الحارقة واشعلوه حيّا في حين ان زميله في العمل والشاهد الزواوي أكد أنه حين عاد من مركز الشرطة اعترضه عمارة راكضا عبر المدرج طلبا للنجدة والنيران تشتعل به حتى سقوطه مغشيا عليه امام الباب الخارجي وهو ما هو مدون في الاعترافات والأحكام الجزائية وتقرير المعاينة أي عكس ما تم بثه في برنامج المنظار ؟
من سكب «المولوتوف» على جسد لزهر اذ انه قال قبل وفاته انه كان يصّلي قبل ان يلقي بنفسه من النافذة في حين ان باقي الشهود اكدوا لدى التحقيق ولدى هيئة المحكمة انهم كانوا يجلسون الى غرفة الجلوس وهم على التوالي منجي وعمارة ومحمد ورابح ؟
ولماذا عمل عمارة ولزهر معا في ليلة هي من المفروض أنهما في راحة ولا يعملان؟
ما سرّ المكالمة الهاتفية التي أجراها عمارة السلطاني حوالي منتصف الليل الى مقر مركز الشرطة معلما عن تحرك غير عادي في محيط لجنة التنسيق والحال أن المجموعة المتهمة لم تغادر الى مسرح الجريمة الا فجرا ؟
من هو الشخص الذي كان من المفروض أن يعمل في تلك الليلة قبل استقدام عمارة ولزهر ؟ وما حكاية الضيفان الذان حلاّ ليلا بمقر لجنة التنسيق قدوما من قفصة .؟ وهل أن أحد المتضررين ( م .م. م )هو فعلا حارس أم أنه عون أمن خاصة وأن اسمه ورد في لائحة أخرى لقضية أخرى قيل أنه أصيب فيها بماء الفرق؟ومن هو نوفل الذي ذكر اسمه في العملية لكن لم يعثر له على اثر بين الموقوفين أو أثناء المحاكمة ؟
وكيف يسجّل التاريخ ان الضحية عمارة كان موثوق اليدين في حين ان الشهود اكدوا انهم شاهدوه ينزل المدرج طلبا للنجدة والنيران تشتعل به وهو ما اكدّته المعاينة الموطنية وملف القضية ؟
وهل صادف فعلا ان يعوض عمارة زميلا له ليلة تنفيذ الجريمة؟ وهو نفس السيناريو الذي حدث مع لزهر بحسب شهادة عائلتي الضحيتين؟وكيف تحولت القضية الى قضية راي عام ولم تتدخل الحماية المدنية الا بعد استقدام الفريق التلفزي؟
ماذا دّون قلم التحقيق في المعاينة الموطنية؟
ولماذا رفض قاضي الاستئناف الحكم بالإعدام؟
وماذا قال عن القضية بعد 21 عاما ؟
ولماذا اليوم فقط يقبل الشهود التحدث عن القضية .؟..
وما هو سرّ مكالمة التهديد التي تلقاها عمارة قبل ايام ثلاثة من العملية ؟
وهل يعقل أن يشهّر المتهمون بعملية هي من المفروض أن تكون سريّة وإلا كيف عرفوا أن عمارة موجود ليلتها ولماذا هو بالذات تلقى مكالمة التهديد في بيته ؟وكيف أرخّ المحامي لدى التعقيب محمد شقرون رحمه الله حادثة باب سويقة بين الحقيقة والتزييف بكل اخلالاتها ..لتتحول اليوم الى مرجع قانوني ؟
من استدرج الشبان الى مسرح الواقعة والتقرير المزعوم في وزارة الداخلية وليس في لجنة التنسيق؟ وهل أن خيانة عظمى كانت سببا في الواقعة؟
وكيف تغيرت الكلمات من لائحة الحكم الاول حول الشهود ومكان سقوط عمارة السلطاني امام مقر لجنة التنسيق لتصبح في لائحة الحكم الثاني تقييد الحارس وسكب مادة حارقة على جسده وهلاكه على عين المكان أي بالطابق الاول ؟
ولماذا نشرت القضية لدى الدائرة الثانية عشرة يوم 23 أفريل 1991 أي في نفس اليوم الذي كانت فيه محكمة التعقيب متولية النظر في الطعون المرفوعة ضد قرار دائرة الاتهام؟وهل هناك علاقة بين قضية باب سويقة التي اصدر حكمها الاول في 22 ماي من نفس العام وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه عبد الله القلال عن إيقاف مجموعة براكة الساحل ؟.والسؤال الأهم لماذا لم يقدم الى اليوم حزب النهضة على فك طلامس الحادثة وهل يكون المستور جريمة الخيانة الأفظع من القتل؟منذ أشهر ونحن نحاول البحث عن بعض الشهادات والحقائق في قضية غيّرت مجرى التاريخ في تونس لنواجه بكم هائل من التضارب في الأحداث ...ما بقي من الذاكرة في قضية الفجر الأخير لم تكن هي تلك الحقيقة التي علمونا اياها طيلة عقدين من الزمن ...فلم يكن عمارة موثوق اليدين الى كرسي ولا رجب الذي صرح قبل وفاته في 2008 أنه كان يصلي وأن حارقه كان يلبس «بورتكان» ..ولم تكن العملية سرّية ..باعتبار علم جهاز الداخلية بها ؟ والاعترافات المتلفزة لم تكن مطابقة لملف القضية وكانت مفبركة بشهادة نفس الصوت حيث أدين في فيفري91 وبرئ في جانفي2011.

وما دار في أروقة المحكمة لم يكن هو المعنون إعلاميا أو ما تم ترسيخه للناس .....شهادات عدّة في هذا التحقيق يصرّح بها علنا أشخاص كانوا في أماكن مهمة زمن الجريمةجريمة «الفجر الاخير» حقيقة مرّة لها اكثر من وجه.

وجه أول هو الذي رسخ في الذاكرة طيلة عشرين عاما وكبر معنا وهو ما دونته الصحف والبرامج الوثائقية .

ووجه ثان هو الذي دخل أروقة المحكمة ممزوجا بين اعترافات انتزعت داخل مكاتب أمن الدولة واعترافات أخرى إرادية لدى قلم التحقيق ...ووجه ثالث فاجأنا به نفس الصوت بنفس البرنامج مباشرة إثر 14 جانفي ليقول لنا أن العملية مفبركة .فقط ونقطة الى السطر .

ثم وجه رابع كان اعترافا بالمسؤولية في الأحداث وذالك في أول ندوة صحفية لحركة النهضة علنا بقاعة البراق يوم 7 فيفري 2011.ردا على سؤال محرّرة المقال ....لكن؟ يبدو أن الحقيقة فعلا ما تزال محجوبة عن الجميع وأن الدقائق الفصل ما بين انقطاع التيار الكهربائي بالطابق الاول واندلاع النيران والطابق الثاني ما تزال غامضة إلى اللحظة.

حادثة باب سويقة تاريخيا

خلال أواخر الثمانينات وبداية التسعينات انطلقت حملة واسعة من الاعتقالات بعد ان كانت أفضت الانتخابات التشريعية التي نُظمت يوم 2 أفريل 1989الى بروز التيار الإسلامي ....

وفي خضم الأحداث والمواجهات وحرق عدد من الشعب الدستورية كردّ فعل على طغيان النظام ( نفس التصرّف الذي أقدم عليه الشعب التونسي بكل خلفياته الإيديولوجية في الثورة )

جاءت فاجعة «الفجر الأخير» للجنة التنسيق «بباب سويقة» فجر الأحد 17 فيفري لتتحول الى قضية ألّبت الرأي العام.. دوّنها الإعلام كأفظع جرائم القرن ثم وضعوها على حافة النسيان في سلسلة عمليات التشويه التي تعرض لها الاتجاه الإسلامي ... تشويه مدروس خلف الالاف من المعتقلين من انصار التيّار واقربائهم وحتى اصدقائهم ومن جاورهم في العمل.

فإبان الحادثة تم إيقاف المتهمين في القضية وجلّ أعمارهم تتراوح بين 26 ربيعا و 17 عاما من بينهم المهندس والأستاذ والطالب والتلميذ وبث البرنامج الشهير المنظار الذي صور مسرح الجريمة إبان حدوثها وحتى قبل وصول الحماية المدنية.

ثم وبدخول قضية باب سويقة اروقة المحكمة بعد ايام عشرة من الابحاث في ادراة امن الدولة كانت في عدة جلسات متقاربة الاولى كانت في 30 افريل ثم 9 ماي ثم 16 ماي ثم استئناف الجلسة 17 ماي و21 ماي وأصدر الحكم الجنائي الاول يوم 22 ماي وهو اليوم الذي أعلن فيه عبد الله القلال وزير الداخلية السابق في ندوة صحفية عن «اكتشاف مخطط لقلب نظام الحكم بمشاركة مجموعة من العسكريين من مختلف القطاعات والرتب» مؤكدا أنهم عقدوا لقاءا في براكة الساحل وضعوا بمناسبته خطة للاستيلاء على السلطة فكانت احداث براكة الساحل ثم استأنفت النيابة العمومية الحكم في 6 أفريل واصدر الحكم الثاني يوم 27 جوان 1991 ونفذت أحكام الاعدام في اكتوبر من نفس العام.

مقتطفات من المحاكمات

كان القائمون بالحق الشخصي سبعة وهم ورثة القتيل والأربعة المتضررين والتجمع الدستوري الديمقراطي ورابطة الأخوة والتعاون التونسية المغربية .
حضر الشهود الثلاث في القضية وهم على التوالي عبد العزيز زائد ورابح الجندوبي ومحمد المنصوري في المحاكمة الاولى فقط و اكدوا يومها وهذا مدوّن في ملفات السماع قبل 21 عاما أنهم تعرضوا للاعتداء بالعنف لكن انقطاع التيار الكهربائي حال دون التعرف الى المتهمين الذين هاجموا المكان كما انهم لم يشاهدوا الضحيتين كيف تعرضا للحرق .فقط شاهدوا عمارة في الباب الخارجي والنيران تشتعل به ...اما لزهر فالقى بنفسه من نافذة الطابق الاول . في الحكم الجنائي الثاني والاخير لم يقع سماع الشهود ولا اعتماد الشهادات الاولى,
اعترف المتهمون يومها كون الخلية التي كانوا ينشطون بها كانت اجتماعية بحتة تقوم بالاعمال الخيرية لاعانة مسجوني الحركة او لتوزيع المناشير.
أكد عدد من المتهمين أن ضغطا كبيرا حدث اثناء البحث الاولي لاجبارهم على الاعتراف بكون فتحي الزريبي اوثق الحارس وسكب عليه البنزين واحرقه والحال ان دخولهم المقر لم يتجاوز الدقيقتين انسحبوا على اثره هروبا بعد ان كانوا خططوا لاتلاف القوائم الاسمية التي بلغ الى علمهم ان التجمع مزمع على تصفية الحساب معهم .كما تحدثوا في اعترافاتهم البالغة من العمر عقدين من الزمن انهم يرفضون العنف نظرا لتناقضه وسياسة حركة النهضة التي تندد بالعنف كاسلوب (ص 21 من الحكم الجنائي الاول).
معتبرين أن انشطة الخلايا في اولى التسعينات كانت منحصرة في الدعوى وتنزيل القران وغيرها باعتبار ان حركة النهضة اصدرت جملة من التوصيات في نطاق السياسة العامة التي ترتكز اساسا على اعمال سياسية ميدانة كالكتابة على الجدران او توزيع المناشير. المتهمون عارضوا ما بثته التلفزة تحت الاكراه لكن رئيس المحكمة اعلن يومها ان المحكمة غير ملزمة الا بالملف وبالتالي لن يقع اعتماد الاعترافات المتلفزة ( حسب ملف القضية المدونّ بخط اليد)
واستغرب يومها مصطفى بن حسين (ص 29 من الحكم الجنائي 22 ماي 1991 ) وانفعل( رغم مشاركته في العملية ) لعدم اعتماد الحركة لأعمال السرقة أوالنهب معتبرا أن العملية تجاوزته وتجاوزت الحركة نفسها وأسلوبها في العمل . قضية «باب سويقة» حسب الارشيف القضائي
من المحجوزات على ذمة القضية:
نسختين ضوئيتين من منشورات بعنوان يوميات الجهاد من العدد المتضمن لمقتطفات حوار راشد الغنوشي والمتضمن النص بعنوان «ان الحكم لله»
حجز نسخة من بيانات كانت نشرت أو معدة للنشر تحت عنوان «لا للتعامل الامني مع التلميذ»
«الى تلاميذ تونس الحرة» و«تونس المناضلة»
تقرير الشرطة الفنية المؤرخ في 20 فيفري 1991 يؤكد ان القوارير المحجوزة تحتوي على سائل البنزين الرفيع المخلوط بصابون التنظيف وهاته المادة تساعد في توسيع دائرة المساحة المحترقة وبالتالي لا وجود لمادة ماء الفرق في حادثة باب سويقة.
المحكمة رأت ثبوت اقتحام العناصر إلى مقر التجمع باعتباره رمزا وبعد أن قسموا الأدوار فيما بينهم وسكبوا البنزين على أرضية المكان وبأسفل المدرج قبل وصولهم الطابق الأول.
أحد المحكومين أكّد أن التعذيب وصل مداه إلى الاغتصاب بعصا والعنف أدى إلى انفلاق كلية أحد الموقوفين.
عمارة السلطاني شوهد خارج المبنى والنيران تلتهمه وهو ما يسقط الادعاء بكونه كان موثوقا إلى كرسي وهي التفاصيل التي بني عليها حكم الإعدام و نفذ في ثلاث شبان.
نسبة السقوط لأحد المتضررين وصلت 5(في المائة) بسبب صفعة وهو ما عارضه احد المحامين واعتبره غريبا وغير منصف.
الشاهد منجي الزواوي أكد انه كان بالطابق الأول بقاعة الجلوس برفقة عمارة ومحمد ولزهر ورابح وشاهد من النافذة زملاؤه يركضون وفي نفس الوقت فاجأهم سبعة ملثمين احدهم كان يحمل غازا مشلّا للحركة .وانقطع التيار الكهربائي.
الشاهد الزواوي هرب من النافذة في اتجاه مقر الشعبة فوجدها مغلقة فعاد أدراجه فاعترضه عمارة السلطاني في الباب الخارجي والنار تشتعل به.
«سعيد ابراهيمي «كاتب عام مساعد للجنة التنسيق بباب سويقة كان بالطابق الثاني مرفوقا بشاب من الشبيبة المدرسية (الذي من المفروض أنه مدسوس من أبناء الحركة) حين استمع سعيد الى دوّي انفجار اختبئ بمكتبه الى حين وصول أعوان الأمن (حسب شهادته القانونية).
لا أحد كان بإمكانه تحديد عدد الأشخاص المتواجدين بالمقر زمن الحادثة لتضارب الكثير من الأقوال من جهة وللمساحة الكبرى للمقر إذ أن المتهمين لا يعرفون أصلا من هم المتواجدون بالطابق الثاني او عددهم..والحال أنه من المفروض أن يكونوا خططوا للنيل من الطابق الثاني أيضا.

ليلى السلطاني : معاناة طيلة عقدين من الزمن

وكأنه حدث اليوم اذ تقول بدموع تنحبس مع انفاسها /قبل ايام ثلاثة وتحديدا يوم الخميس 15 فيفري 1991تلقى والدي رحمه الله مكالمة هاتفية من مجهول هدده فيها بحرق مقر العمل وهو روى لي تفاصيل المكالمة داخل المطبخ ...يومها عمل والدي ليلا كما عمل مساء الجمعة..أي أنه يعمل ليلتين متتاليتين ثم يرتاح الليلة الثالثة شأنه شأن عم لزهر فقد كانا صديقان مقربان جدا والمفروض ان ليلة السبت هي ليلة الراحة .

مكالمة هاتفية انهت حياته

تضيف ليلى في شهادتها: «يوم الجمعة 16 فيفري كنت في العشرين ربيعا وكان والدي يومها متكئا إلى الأريكة بقاعة الجلوس حوالي الثالثة مساءا حين رنّ جرس الهاتف في البيت ورفع والدي السماعة فقد كان صديقه الذي من المفروض أن يعمل تلك الليلة وأخبره أن والدته مريضة وانه سيصطحبها الى الطبيب. على ما أعتقد أنه «عم أحمد» أصيل تطاوين ووافق والدي وطلب إعداد قفة عشائه ...وغادر أبي المنزل وكانت تلك اخر ليلة اراه فيها .....وآخر مرة سمعت صوته كانت حوالي العاشرة من نفس الليلة ...وفي الغد تأخر والدي في العودة لكن ...فجأة امتلأ بيتنا بالأجوار بين باك وناحب وعلمنا من التلفزة والراديو نبأ العملية ....

رئيس المقاومين وليس حارسا

والدي ليس حارسا بل هو زعيم المقاومين وكان من أبرز الفلاّقة الذين حاربوا المستعمر ...لكن ابان احداث اوائل التسعينات تطوّع والدي وغيره في لجان اليقظة في مراكز التجمع واستغرب كيف يسجلونه في التاريخ حارسا ليليا ...

حاولت فتح القضية لكن؟

تضيف ليلى: «صراحة الى اليوم ما تزال القضية تحمل الكثير من الاسرار فنحن لا نعرف الا ما تم ابلاغه للناس جميعا من كون والدي اوثقوه الى كرسي واحرقوه حياّ .فهذه المعلومة عاشت معي عشرون عاما .كلما تذكرت تلك الصور من برنامج المنظار الا واصبت بحالة من الالم المضاعف والحزن فالقضية ما تزال حية الى اليوم ...أجل قابلت احد المتهمين في القضية بحثا عن الحقيقة لارتاح .واكد لي انهم لم يرتكبوا جريمة القتل فمن قتل أبي إذا ؟..مازلت الى اليوم غير مرتاحة..مازلت أبحث عن الحقيقة ..يؤلمني أن حركة النهضة لم تسعى لكشف الحقيقة .

محام واحد ساندني

كثيرون هم المحامون الذين رفضوا مساعدتي على فتح القضية...ولم يسمع صوتي أي كان الا محام هو شقيق صديقتي من سوسة لكن حين تكلم «صابر الحمروني «عن العملية ..تذكّر الجميع وقتها عمارة السلطاني واصبحوا يتصلون بي ..وهناك مسؤول رفيع المستوى صرّح إعلاميا كونه ساندني بعد وفاة والدي وأستحي فعلا أن أقول له اليوم «...انك كاذب»..قضية باب سويقة كانت قضية اعلامية كبرى استفاد منها بن علي لكن والدي هو من دفع ثمنها حياته إذ انه مات بعد أسبوعين من مصارعته الموت بالمستشفى العسكري.....ومن اللحظة التي احترق فيها لم يتكلم ولو حرفا واحدا فقد كان في غيبوبة تامة.

أكره الشواء ورأس الخروف

أبدا لا يمكن ان انسى فالالم كبير جدا عشرون عاما من العذاب وانا اتخيل النيران وهي تلتهم جسد ابي فقد كنت الابنة الوحيدة له ....مؤخرا عادت تلك اللقطات من فيديو المنظار الى الفايس بوك وشاهدها ابني للمرة الاولى في حياته وصدم للمشهد ....نعم ذاك مشهد والدي محترقا جعلني اكره شم رائحة الشواء التي تذكرني برائحة جسد والدي التي بقيت الى اليوم عبر أنفي ...فصرت لا احتمل رؤية رأس خروف العيد أبدا ....

ملفات وبحث وتحريات

بعد حادثة باب سويقة صرنا مستهدفين كعائلة كلنا تم سماعنا وكل منا أضحى له ملفات سرية وابحاث سواء بالداخلية او بالرئاسة وكلنا كنا مراقبين في تصرفاتنا وتحركاتنا ...فالحادثة لم تخلف اغتيال عمي او حرق زميله فقط بل خلّفت ألما لا يمكن ان يمحى الى اليوم عشرون عاما ونحن نتألم عشرون عاما وانا أتسائل لماذا اعوان الامن في مركز باب سويقة والذي هو قبالة مقر لجنة التنسيق ولا يبعد الا حوالي 100 متر لم يأخذو مكالمات عمي عمارة مأخذ الجدّ حين استنجد بهم مع منتصف الليل وقال ان حركة مريبة بمحيط المكان تحدث ..؟ ومن كان يعمل ليلتها بالمركز كاعوان استمرار ولماذا انسحب كل الامن معا فجأة؟هكذا تحدثت نزيهة ابنة شقيق«عمارة السلطاني» وهي تسترجع التفاصيل بحزن وبصوت متقطع معتبرة جريمة واقعة باب سويقة سرّا كبيرا لا بدّ ان يقع كشفه كاملا.

فاطمة رجب (ابنة لزهر رجب) : 18 عاما من المعاناة


«18 عاما هي سنوات العذاب التي عاشها والدي مبتور اليدين بفعل مرض أصابه اثر الحروق التي طالت كل نصفه الاعلى». تلك الحروق التي اتت على جسده فنام تسعة أشهر في غيبوبة ثم استفاق على مرض نخر جسده المحترق « هكذا غرقت فاطمة في اوراقها وصور والدها وارشيف الوثائق التي تؤكد كونه من المقاومين القدامى وليس حارسا ليليا كما تم قوله بعد الحادثة ..مسترجعة الماضي تارة أو متذكرة تفاصيل السنوات الطويلة التي رافقت فيها والدها في كل لحظات حياته ..مضيفة: يوم الحادثة 16 فيفري السبت والدي لم يكن يعمل باعتباره كان قد عمل يومي الخميس والجمعة والسبت هو يوم الراحة في لجان اليقظة أيامها ...لكن مساء تلقى والدي مكالمة هاتفية من صديق له اخبره أن والدته مريضة وطلب منه تعويضه في تلك الليلة فقبل والدي بالامر ..إذ انهم كانوا يعوّضون بعضهم البعض ...ولم نسمع بالفاجعة الا من الغد حين جاءنا الاجوار من كل صوب ...بعد ان شاهدوا الخبر في التلفزة ...تسعة اشهر ووالدي في غيبوبة وانا واخوتي كالمجانين ...بعد بتر يديه صار كالطفل الكبير يلزمه كل العناية حتى لأدق التفاصيل وكنت الاقرب اليه طيلة تلك السنوات حتى وفاته في 2008 رحمه الله
قال انه شاهد «البورتكان»

ترى ماذا قال لزهر بن فرج طيلة سنوات حياته عن الحادثة : تقول فاطمة: «كان يريد دائما تسجيل ما يحدث يوميا في كراسه وكان يحضر دائما الاحتفالات الكبرى التي يتلقى فيها دعوات لتكريمه ..كل ما أذكره هو انني حين اسأله عن الحادثة يقول لي «يا بنتي الي صار صار» واعلمني ذات مرة انه لحظة احتراقه كان يصلّي حين سكب عليه مجهول مادة حارقة واشتعلت فيه النيران ولم يرى الا أحذية «بورتكان» للمتهمين .وفي محاولة للفرار ألقى بنفسه من الطابق الاول ومن نافذة صغيرة بجانب غرفة موزع الهاتف حيث سقط على شاحنة من نوع الايسيزي كانت بالمكان ...وقد اكد لي ذات مرّة أن سؤالا فقط يحيره هو انه شاهد اعوان الامن واقفون امام مركز الشرطة المحاذي للجنة التنسيق.

القاضي السيد «حسن بن فلاح» : حكمت بما يرضي ضميري وحسب مؤيدات الملف

القاضي السيد حسن بن فلاح هو رئيس الدائرة الجنائية الثالثة عشر بمحكمة الاستئناف بتونس التي تابعت قضية باب سويقة في حكمها الاول (91) والذي نال بموجبه المتهمون الاساسيون حكما بالسجن مدى الحياة , وحيث تم استدعاء الشهود في جلسة المحاكمة .

قبل أشهر قلائل تقاعد القاضي «حسن بن فلاح» والتحق بسلك المحاماة لحبّه الشديد لمهنة القضاء التي قضى فيها 37 عاما من حياته ومنذ كان عمره 23 ربيعا ...وما يزال يعشقها إلى اليوم .

ورد اسمه لاول مرة بعد 14 جانفي في الحوار الذي اجرته المحررة مع احد متهمي قضية باب سويقة وهو صابر الحمروني الذي تحدث كيف ان عددا من افراد المجموعة ذهبوا الى القاضي «فلاح» وسالوه لماذا لم يحكم عليهم بالاعدام يومها حين كان الجميع لا يصدقهم ..

اليوم وأثناء التحقيق في تفاصيل واقعة باب سويقة ذهبنا الى القاضي السابق حسن بن فلاح الى مكتبه لنسترجع البعض من التفاصيل من قضية باب سويقة ...ابتسم عمّ حسن كما يناديه الكثير ممن تكّونوا على كتبه ودراساته وهو يسترجع 37 عاما من ممارسة مهنة القضاء يقول: «لا أستطيع التكلم الان ..هكذا يصبح الأمر غير قانوني انه واجب التحفظ فالقانون يمنع افشاء اسرار المفاوضات والحديث عن القضايا قبل انقضاء مدّة 5 سنوات بعد الخروج على التقاعد, وانا ملتزم بالقانون الآن».

مضيفا: «صحيح ان القضية مرت من أمامي شأنها شان الكثير من القضايا الأخرى التي باشرتها لكن قضية «باب سويقة» بقيت في البال بالتأكيد كانت احالتها يومها القتل العمد مع سابقية الاضمار انا والدائرة التي ترأستها باشرنا القضية وحكمت بحسب اوراق القضية وملفها وبما هو موجود بالملف من مؤيدات وضميري مرتاح..والى الان مرتاح ولا اخشى شيئا الا الله ...ورايي موثق ومدون في الحكم منذ 21 عاما وسيظّل هو رأيي اليوم وغدا ..وإذا أردت معرفة موقفي ستجدينه في اسطر الحكم.

سألنا السيد حسن فلاح عن الامل في اعادة ملف القضية بعد عقدين من الزمن فأجابنا «الفصل 277 من المجلة الجزائية هناك باب مطالب إعادة الحكم الفقرة الرابعة «اذا حدث بعد الحكم وثائق لم تكن معلومة وقت المحاكمة هناك لجنتان لجنة بها مدعّين عامين ولجنة ثانية بها مستشارين عامين وتنصب من جديد».

وعن سلك القضاء عرّج السيد فلاح: «اتركوا القضاء يعمل فلنا خيرة ما هو موجود, الحياة مرهونة في نقطة وكل واحد له الخيار في أفعاله» فبين المهابة والمهانة موضع قلم فاختر بأفعالك أين تضع النقطة» هذا فقط ما أقوله.

لطيفة رجب : نعم رافقوا والدي سرّا الى نزل قبالة وزارة الداخلية وفحوى اللقاء لا نعرفها

لطيفة بن محمد لزهر رجب الابنة الصغرى للمرحوم رجب تحدثت بدورها عن بعض التفاصيل التي ما تزال بذاكرتها: «يوم الحادثة لم نسمع بالخبر الا مساء بعد ان عجّ منزلنا فجأة بالاجوار مازالت اصوات البكاء تحتل ذاكرتي ولم نعرف الا ان مجموعة اقتحمت المكان واحرقته اذكر انه يوم 30 سبتمبر من سنة 2002 رافق شخص دونت اسمه من يومها وهو (ع,ح) ابي الى نزل صغير قبالة وزارة الداخلية بعد ان كان طلب منه قبل يوم واحد ان يعد نفسه لملاقاة شخصيات لهم علاقة بمنظمات حقوقية لكن لا نعرف فحوى اللقاء الا ان والدي لربما حدثهم عن الواقعة يومها دونت اسم الشخص والتاريخ ربما كنا مراقبين وربما كان والدي أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.