عبّر العديد من الحرفيين في قطاع النجارة عن تذمرهم من النقص الواضح في اليد العاملة المختصة، كما لم يخفوا تخوفهم من إمكانية اضمحلال هذه الحرفة الضاربة في القدم والتي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، «الشروق» حاولت تقصّي واقع القطاع وآفاقه فكان النقل التالي: أسئلة عديدة أصبحت تقض مضاجعهم وتجعلهم قلقين أكثر من أي وقت مضى على مستقبل حرفهم. فكيف لها أن تستمر والعنصر البشري غائب أحيانا، أين هي «الصنعة» في سوق شحيحة من اليد العاملة المختصة؟ أين يكمن العيب أو الخلل.. هل في مؤسسات التكوين المهني أم رب العمل أم أن اللوم يمكن أن نوجهه إلى أطراف أخرى ساهمت بشكل أو بآخر في عزوف الشبان على تعلم مهنة «النجارة؟». بعض الغيورين على مهنة النجارة لم يبقوا مكتوفي الأيدي وهم يرون حرفتهم تعيش أزمة حقيقية على هذا الصعيد، فالمعز بالله الزرلي وهو حرفي يبلغ من العمر 44 سنة وله 34 سنة عمل في الميدان يقول «مهنة النجارة ورثتها أبا عن جد... لقد أفنيت عمري في الابتكار والاطلاع على كل ما هو جديد في مجال الديكور والأثاث المنزلي والتزويق». محدثنا تمكن من خلال مثابرته في العمل من تطوير مشروعه، فبالإضافة إلى ورشة النجارة التي يملكها فقد بعث قاعة لعرض آخر ابتكاراته، لكن مشكلته في ندرة اليد العاملة. ويضيف قائلا: «الدولة مسؤولة بدرجة أولى عن مراجعة التشريعات الخاصة بنظامي التدريب والتكوين المهني لمزيد تشجيع الشبان على الإقبال على مثل هذه المهن، فالشاب اليوم يفضل العمل في حضائر البناء أو البقاء بالشارع على العمل بقطاع النجارة وذلك لعدة اعتبارات، فالمتدرب الجديد يلزمه الوقت لكي يتعلم «الصنعة» بأجر زهيد لا يتعدى في أقصى الحالات الأربعين دينارا في الأسبوع وهو ما يتم التعامل به في أغلب ورشات النجارة، فيما تطلب منا مؤسسات التكوين المهني تكوين المتدربين لمدة سنة على أقصى تقدير والحال أن المدة المستوجبة لتعلم أبجديات المهنة لا يمكن أن تقل عن ثلاث سنوات».ولم يخف المعز بالله دور الأسرة المهم في تحفيز أبنائها ومحاولة تغيير الأحكام المسبقة لديهم عن المهنة، إذ يتعلل الشبان بضعف الأجر وما يسببه الغبار المتناثر من قطع الخشب على الصحة. ومن المضحكات المبكيات يقول محدثنا أنه قام مؤخرا بنشر إعلان انتداب لبعض الشبان قصد تكوينهم في ميدان النجارة وتغليف قاعات الجلوس إلا أنه صُدم بتقدم الفتيات فقط طلبا للتعلم. «روضة» التي تعمل في ورشة نجارة منذ سنة ونصف والمختصة في تغليف الصالونات عبرت عن سعادتها ورضاها بهذا العمل حيث كسبت الخبرة الكافية بمرور الوقت وتعززت ثقتها بنفسها، وهي تدعو الشبان المترددين إلى عدم إهدار المزيد من الوقت والالتحاق بالقطاع لأنه حسب قولها «مهنة المستقبل». أما «إلياس» (42 سنة) فصرح بأنه كان يعمل بالقطاع السياحي بصفة موسمية وأيقن أن مهنته الحالية التي يزاولها منذ حوالي 12 سنة تدر ذهبا إذ أن ديمومتها في التمكن من «الصنعة»، ولا خوف بعد ذلك على مصير العامل لأن الآفاق المهنية تبقى دوما أرحب. السيد عبد الرؤوف بوعكاز (55 سنة) هو أيضا صاحب ورشة للنجارة وموقفه لم يكن بعيدا عن مواقف سابقيه إذ يقول «العثور على عملة هذه الأيام شبيه بالعثور على كنز، فلا أخفيك سرا أن القطاع يشهد نقصا فادحا في اليد العاملة المختصة، ولا نعرف حقيقة ما مصير هذه المهنة، حتى ابني الذي لم يكمل دراسته خيّر العمل بحضائر البناء على الالتحاق بالورشة، وبالرغم من الإغراءات المتتالية لاستقطابه إلا أن محاولاتي باءت كلها بالفشل، فأنا اليوم أعمل وقطع الألواح بين يدي لكن لا أعرف حقيقة ما تخبئه الأيام القادمة لهذا القطاع».