تعرّضت في مقال سابق الى ضرورة رسم تصوّر واضح للرياضة في بلادنا ووضع استراتيجية تهدف الى ارساء أسس مجتمع رياضي بأتم معنى الكلمة يقطع مع التوظيف السياسي للرياضة ومع تركيز الجهد والمال العام على نسبة ضعيفة من التونسيين يطلق عليهم عبارة «رياضيي النخبة»، وأدّى هذا الاختيار الى ما نحن عليه اليوم من مسالك صحية شبه مقفرة وفضاءات رياضية مدرسية شبه متروكة وغياب شبه كلي لملاعب الأحياء وبالتالي الى نسبة مخجلة (3٪) لممارسي الانشطة البدنية من مجمل التونسيين... وإذ نعود اليوم للتركيز مرّة أخرى على هذه المسألة فلأننا نريد أن نقرأ بلاغ وزارة الشباب والرياضة الصادر أمس والقاضي بحل مكتب الجامعة التونسية للرياضة للجميع قراءة خاصة جدا وجد ايجابية، معتبرين أن هذه الجامعة هي الأهم من بين جميع الهياكل المشرفة على الشأن الرياضي... دعني أوّلا أترحّم على أبرز مسؤوليها في السبعينات والثمانينات عندما كان لهذه الجامعة نشاط لا يستهان به بفضل المرحوم عبد الوهاب الشاهد ثم المرحوم بلحسن لسود اللذين بادرا بعدد من الأنشطة الرياضية والفكرية لفائدة كافة الأعمار من التونسيين بالرغم من قلّة الامكانيات وكلنا يذكر مهرجان الفيلم الرياضي السنوي الذي كانت تحتضنه بلادنا بمساهمة الجامعة الدولية للرياضة للجميع الى جانب عديد من التظاهرات الرياضية في مختلف أنحاء الجمهورية... لكن ومع مرور الوقت وحتى ظل التسييس المفرط للرياضة وتوجيهها القاتم نحو خدمة شخص رئيس البلاد وحده وتكريس منظومة الاستبداد، أصبحت جامعة الرياضة للجميع مهمّشة إن لم نقل غائبة لا لشيء سوى أن أهدافها لا تتماشى مع سياسة تغليف الواقع وتلميع الصورة التي أوكلت للرياضة والتي سخّرت لها كل الجهود ومجمل ميزانية الدول فأصبحت جامعة الرياضة للجميع اسما بلا مسمى، هيكل بدون روح، تخبّط فيه الى آخر رمق كل من آمن برسالتها، لذلك نأمل أن يكون القرار الوزاري بمثابة الاشارة القوية على نيّة تصحيح المسار وردّ الاعتبار الى هيكل محوري في ابراز دور الرياضة كوسيلة للتربية والصحة والتنمية ونشر السلام.
أريد أن أقرأ وأتمنى أن تكون قراءتي صحيحة بأن في ذلك عزم على التغيير الجذري للسياسة الرياضية... هذه فرصة بأن يعاودني الحلم بأن أرى التونسيين جميع التونسيين كل يوم أحد، ولمن يتسنى له ذلك كل يوم، في زي رياضي يمشون أو يهرولون أويعدون سواء كان ذلك في المسالك الصحية المنتشرة أو في المناطق الطبيعية من الغابات والجبال، في الشواطئ والسواحل، وحتى على أرصفة الطريق العام، ولما لا في الفضاءات الرياضية للمدارس والمعاهد.