بعث دار «المستثمر الشاب»، خلق آلية تتعلق بالصفقات العمومية خاصة بالمستثمرين الشبان، مراجعة مجلة الشغل، إرساء منظومة رقابة ناجعة للتصرف فن المال العام... تلك أهم الاقتراحات التي نادى بها المشاركون في جلسة العمل الجهوية للتنمية بولاية المهدية. جلسة العمل الجهوية للتنمية التي التأمت يوم الخميس المنقضي بمقر ولاية المهدية تحت إشراف والي الجهة محمد الناجم الغرسلي وبمشاركة المدير العام بوزارة التكوين المهني والتشغيل علي تاكوت، وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وعدد من ممثلي المؤسسات العمومية ومنظمات المجتمع المدني، أتت في إطار الإعداد لانطلاق برنامج «التشجيع على العمل» الذي صادق عليه المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 25 أفريل 2012 بهدف وضع طالبي الشغل من حاملي الشهائد العليا في ديناميكية سوق الشغل سواء بصفة أجير أو باعث لمشروع خاص.
برنامج «أمل» لم يحقق أهدافه
وأكّد علي تاكوت المدير العام بوزارة التكوين المهني والتشغيل في بداية مداخلته على أن برنامج «أمل» لم يحقق الأهداف التي أُنجز من أجلها رغم ما كلفه على ميزانية الدولة من مصاريف باهضة ناهزت 360 مليارا من المليمات بسبب عدة عوامل لعل من أبرزها تضخم عدد المنتفعين الذي فاق 144 ألفا بعد حذف أكثر من 40 ألفا لعدم استجابتهم للشروط المطلوبة، وعزوف المؤسسات الاقتصادية، ومنظمات المجتمع المدني عن الانخراط في البرنامج، وصعوبات التنسيق بين مختلف الهياكل المتدخلة، وغياب برمجة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات البشرية والمادية المتاحة، هذا إلى جانب ما خلّفه من تبعات سلبية على طالبي الشغل كالتراخي عن البحث عن عمل والاكتفاء بالمنحة المخصصة وانتظار المناظرات العمومية تماشيا ربما مع الثقافة التي ترسّخت في الأذهان طيلة العقود الماضية.
وأضاف السيد تاكوت أنه وبالنظر إلى السلبيات العديدة التي شابت برنامج «أمل» فقد فكّرت الوزارة في إرساء منظومة جديدة أُطلق عليها اسم برنامج «التشجيع على العمل» يهدف إلى تحفيز النواة الصلبة من طالبي الشغل من حاملي الشهائد العليا على الانخراط الفعلي والمسؤول في ديناميكية العمل بصفة أجير أو باعث مشروع خاص.
امتيازات بالجملة
وعرض المدير العام بوزارة التكوين المهني والتشغيل أهم أهداف وامتيازات وشروط الانتفاع بهذا البرنامج، والمتمثلة خاصة في تصويب المكافأة بالاعتماد على عدة مقاييس تتمحور أساسا حول خصوصيات المنتفع (السن وأقدمية التخرج، والحالة الاجتماعية، وإبداء التحفز للعمل، والتقيّد بأحد مكونات البرنامج، مع الأخذ بعين الاعتبار المناطق الأكثر بطالة)، وحثّ الشبان على الاندراج في الحياة المهنية، عبر التدرّج في مقدار المكافأة بمعدل تنازلي يقدّر بخمسين دينارا كل ستة أشهر، والرفع في كفاءات ومهارات المنتفعين للاستجابة لحاجيات سوق الشغل من خلال التربصات والتأهيل المهني، والتكوين التكميلي خاصة بالنسبة للاختصاصات صعبة الإدماج.
وفيما يخص شروط الانتفاع بالبرنامج فقد بيّن السيد تاكوت أن المكافأة سيقع توجيهها فقط للنواة الصعبة من العاطلين من حاملي الشهائد العليا التي تمثل أكبر كتلة من حيث العدد حوالي 110 آلاف البالغون 28 سنة فما فوق ممن قاموا بالتسجيل في مكاتب التشغيل لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر بصفة منتظمة، وللمتحصلين على شهادة عليا منذ سنتين على الأقل باستثناء اختصاصات الطب والطب البيطري، والصيدلة والهندسة المعمارية والهندسة في الاختصاصات غير الفلاحية، أما بالنسبة للدخل السنوي العائلي فيجب أن لا يتجاوز 9 آلاف دينار.
مقدار المكافأة قُدّر ب 150 دينارا شهريا بالنسبة للمنتفعين ببرنامج «أمل» بعنوان 2011 خلال السداسية الأولى، و100 دينار خلال السداسية الثانية، وبالنسبة للمنتفعين الجدد فقد حُدّدت المكافأة
ب 200 دينار خلال السداسية الأولى، و150 دينارا في الثانية يتمّ تحويلها عن طريق حوالة بريدية كل شهرين، إضافة إلى التمتع بالتغطية الاجتماعية، وإسناد مساعدة مالية قدرها 600 دينار لكل منتفع تحصل على عقد شغل بالقطاع الخاص خلال السداسية الأولى.
وفي نفس السياق قال السيد تاكوت إن الوزارة أقرت امتيازات أخرى للراغبين في إحداث مشاريع صغيرة لحسابهم الخاص من بينها تبنيّ الوزارة لأصحاب المبادرة ومرافقتهم والإحاطة بهم إلى غاية انجاز مشاريعهم على أرض الواقع، والمساهمة في التمويل الذاتي بنسبة 10 % من قيمة الاستثمار الجملي للمشروع على ألا تتجاوز هذه المساهمة مبلغ 5 آلاف دينار، ورصد مكافأة قدرها 200 دينار طيلة سنة بداية من الانطلاق الفعلي للمشروع مع تحمّل الدولة مساهمة الأعراف في التغطية الاجتماعية للأجراء من حاملي الشهادات العليا لمدة 5 سنوات.
لا تنمية دون أمن
جانب النقاش تمخض عن عدة اقتراحات مهمّة وبناءة من مختلف الأطراف المشاركة وعد المدير العام بوزارة التكوين والتشغيل بأخذها بعين الاعتبار من بينها ما أشار إليه والي الجهة من ضرورة تسهيل تأسيس شركات تجمع المعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا، وبعث دار «المستثمر الشاب» في كل ولاية، وإحداث منظومة اتفاقيات تعاون وشراكة بين الوزارة والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وإعادة تصنيف الولايات على مستوى الامتيازات الجبائية، وخلق آلية جديدة تتعلق بالصفقات العمومية والجهوية تمكّن المستثمرين الشبان من الانخراط فيها، أما لطفي التومي ممثل اتحاد الصناعة والتجارة فقد اعتبر أن هذا البرنامج لا يختلف كثيرا عن برنامج «أمل»، واصافا إياه بالحل «التلفيقي» الترقيعي» الذي لا يستجيب إلى تطلعات المواطن.
عبد الله العشي الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل بالمهدية عارض من جهته عنوان البرنامج «التشجيع على العمل» الذي يحيل حسب رأيه على مغالطة وكأن مواطن الشغل متوفرة والشباب هو من لا يريد العمل في حين أن الثورة رفعت شعارا مركزيا « التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق»، ونادى بإصلاح منظومة التعليم العالي حتى لا «تفرّخ» مزيدا من العاطلين، وبمصارحة المواطنين بالحقيقة دون تجميل أو وعود زائفة خاصة أثناء الحملات الانتخابية.
أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وممثلي المؤسسات العمومية ومنظمات المجتمع توجهوا بدورهم بعديد الاقتراحات المطالبة بتغيير المنظومة القانونية الحالية التي عرقلت مجهودات التشغيل، وتغيير وتيسير المنظومة البنكية والمالية من أجل تشجيع الباعثين الشبان على الاستثمار، ومراجعة مجلة الشغل، وإرساء منظومة رقابية ناجعة تكافح كل أشكال إهدار المال العام، مع التشديد على ضرورة توفير الأمن كشرط أساسي لدفع مسيرة التنمية بالجهة والبلاد عامة، إذ لا تنمية ولا استثمار ولا تشغيل دون توفر الأمن.