أعلن صباح أمس خبراء ناشطون في المجتمع المدني من تونس واليمن وليبيا والمغرب ومصر عن إعدادهم نص مشترك للعدالة الانتقالية سيكون مرجعا قانونيا لعمل المجتمع المدني والحكومات. هذا النص الذي يتضمن مبادئ توجيهية للعدالة الانتقالية يجرى إعداده بمشاركة خبراء منهم العيّاشي الهمّامي من تونس وحبيب بلكوش من المغرب ومروان طشاري من ليبيا ومحمد جسّار من اليمن وعبد المنعم مسلّم من مصر. يأتي هذا في اطار لقاء الخبراء الذي انتظم بالعاصمة تونس بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الانسان يومي الجمعة والسبت الماضيين.
نص مشترك
أشار متحدث باسم المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن المركز قدّم مساعدة فنيّة للتونسيين في هذا المجال مؤكدا أن أمل المركز قائم في الخطوات الاولية التي سلكتها تونس في طريق العدالة الانتقالية إذ «هناك مؤشرات إيجابية لذلك» بحسب قوله. وتمنى المتحدث أن تتم صياغة مرجع قانوني في تونس يكون سندا للعدالة الانتقالية.
من جهته قال العيّاشي الهمّامي إنّ التجربة التونسية تختلف عن بقيّة الدول إذ تقدّم المجتمع المدني في تونس منذ تنصيب حكومة حمّادي الجبالي في جانفي الماضي بخمسة مشاريع قوانين للعدالة الانتقالية وكان أوّلها مشروع التنسيقية الوطنيّة للعدالة الانتقالية علما وأنّ العيّاشي الهمّامي ينوب الرابطة التونسية لحقوق الانسان في هذه التنسيقية.
كما ذكر الهمّامي أن عديد الأسئلة تدور حول مفهوم هذه العدالة وآلياته ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إعداد نص عربي مشترك يصوغ المبادئ التوجيهية المشتركة للعدالة الانتقالية بالاستناد الى مرجعيات عديدة منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وسيكون هذا النص بحسب قوله مرجعا لعمل المجتمع المدني والحكومات أيضا.
وحول النص أوضح العيّاشي الهمامي أنّه تناول مفهوم العدالة الانتقالية ثمّ هيكلة هذه العدالة من خلال إحداث هيكل يعنى بها مثل لجنة أو ما شابه شرط ضمان الاستقلالية وتتوفر فيها شروط تحديد الصلاحيات. كما سينظر النص في كيفية تعامل هذا الهيكل مع المحاسبة والاستماع للضحايا وتوثيق ما تعرضوا له وتحديد مفهوم للمحاسبة وكيفية تنفيذها وكذلك مسألة التعويض إن كان سيتم بشكل فردي أم جماعي وهل يشمل أشخاص فقط أو أيضا مناطق ظُلِمت سابقا. وأضاف «كل هذه الأسئلة تمّ طرحها وبدأنا صياغة شبه قانونية لهذه المبادئ التوجيهية وسيكون النص بعد الانتهاء منه مرجعا في كل الدول وسيتم الاعلان عنه لاحقا».
غياب الاستراتيجية
إلى جانب تقديم فكرة عن هذا النص الذي هو بصدد الاعداد تمّ توزيع كتاب-تقرير حول العدالة الانتقالية بتونس حمل عنوان «غياب استراتيجية واضحة وغلبة الارتجال (14 جانفي-23 أكتوبر 2011)». هذا الكتاب أعده الدكتور وحيد الفرشيشي الاستاذ المحاضر في كلية العلوم القانونية بتونس والمعهد الاعلى للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان والخبير في المعهد العربي لحقوق الانسان والمركز الدولي للعدالة الانتقالية. هذا الكتاب الذي صدر بلغات ثلاث توزّع على خمسة محاور أوّلها تتبّع الجناة وثانيها البحث عن الحقيقة وثالثها التعويض وجبر الضرر ورابعها الاصلاحات السياسية والاعداد لمستقبل أفضل من خلال القطع مع الماضي وتنظيم المؤسسات السياسية (رئاسة الجمهورية والحكومة) واصدار مراسيم تنظيم مهنة المحاماة وتنظيم المجلس الاعلى للقضاء والنظام الاساسي للقضاة.
واختتم الدكتور الفرشيشي كتابه بمحور خامس تحدث عن المصالحة قال فيه إنّ «المرة الاولى التي يتم فيها الحديث رسميا عن المصالحة كان في الذكرى 55 للاستقلال في خطاب ألقاء الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي الذي ربط في خطابه المصالحة بالمحاسبة» وهي رؤية تبقى جزئية بالنسبة للدكتور الفرشيشي و«لا تستجيب للمصالحة الوطنية بمفهومها الواسع والذي من شأنه أن يؤسس فعلا لمصالحة تنبني على كل مقومات العدالة الانتقالية من تتبع للجناة والكشف عن الحقائق التاريخية والتعويض للضرر الذي لحق بالضحايا وتأسيس ذاكرة وطنية والشروع في الاصلاحات السياسية والقانونية والمؤسساتية التي من شأنها أن تقي المجتمع من العودة مرة أخرى الى الاستبداد والظلم وانتهاك حقوق الانسان».
دور وزارة العدالة الانتقالية
قال د.الفرشيشي إنّ تونس افتقدت بعد الثورة الى استراتيجية واضحة في مجال العدالة الانتقالية والمراسيم التي تمّ اصدارها تثبت ذلك فهي كانت بمثابة ردود أفعال وليس تصور استراتيجي فالمؤسسة العسكرية على سبيل المثال غُيّبت وكأنّها ليست ادارة تونسية ويجب أن تحاسب.
وأوضح ردّا عن سؤال «الشروق» حول سبب غياب هذه الاستراتيجية بأنه هناك اسباب موضوعية وأخرى غير موضوعية من ذلك أن الثورة جاءت بشكل مفاجئ لذلك كانت القرارات في شكل ردود أفعال في فترة دقيقة كما أنه لم يكن لدينا معرفة بالعدالة الانتقالية.