قد يأتي علينا زمن نشتهي فيه «بصلة» أو على رأي شاعرنا العظيم بيرم التونسي وهو القائل «يا بائع الفجل بالمليم واحدة... كم للعيال وكم للمجلس البلدي...» على رأيه قد نشتهي «فجلة» ما دامت نار الأسعار قد أكلت كل شيء ولم تبق للمواطن «الزوالي» إلا نتفة من ذكريات الزمن الغابر لما كانت «الشكشوكة» في متناول الشعب بمختلف طبقاته. كل شيء حاليا يمارس القفز العالي... أعصاب المواطن... حركة الجولان... .التطرف السياسي يمينا ويسارا... الأفواه المفتوحة... المطالبة بالتنمية... التخوين والثورية الزائفة... «عندي ما نقلك» عندما ينزل إلى (الميدان) فرحا مسرورا... تجار السلاح... عصابات التهريب... الحكومة وهي تتخبط في بحر السلطة الرابعة... المرزوقي وهو في قمة السعادة والانتشاء بالرئاسة... بن جعفر لما يتذكر أيام البايات وهواء المرسى النقي!!
القفز العالي يبدو حاليا هواية وطنية... برع فيها الشعب أيما براعة وفي مقدمته نوابنا في التأسيسي الذين قرّروا في جلسة (سرية)وفي اطار التضامن مع المهمشين في الكاف وجندوبة وسليانة وسيدي بوزيد وقفصة والقصرين وبقية المناطق المنسية أن يرفعوا سقف مطالبهم وأن يدخلوا عصر الاحتراف من أوسع أبوابه باقرار مرتبات تتلاءم مع شهريات لاعبي الرابطة الأولى وفي الأثناء تعود رياضتنا وأنديتنا تدريجيا الى واقعها المر، ذلك الواقع الحقيقي الذي أخفته غابة السياسة... تعود بعض قلاع الرياضة الوطنية الى عصر الهواية و«المريول» وتطغى الرداءة ويصعد رؤساء «كذابون» ومنافقون من الطراز الأول وتفوز بعض الأندية بالتحكيم «عيني عينك» وتستنجد بعض الفرق ب«الخلايق» لارهاب الأندية الزائرة وافتكاك نقاط الفوز بالعنف... يحدث كل هذا ولم نسمع تصريحا حكوميا وحيدا يهم الرياضة ما عدا تصريح السيد حمادي الجبالي قبل أشهر عند تكريم المنتخبات الوطنية المتوّجة في البطولات القارية، فهل أن الحكومة لا تحب الرياضة أم أنها لا تفهم في الرياضة أم أنها لا تعرف قيمة الرياضة؟
تقديرنا الشخصي أنها غارقة في مشاكل كبرى تستهلك كل الوقت والجهد وعلى بعض العقلاء أن ينبهوها بسرعة الى أن كثيرا من المشاكل الاجتماعية والأمنية قد تأتي من الرياضة مع نهاية هذا الموسم الكروي.
نعود الى نوابنا المحترفين في التأسيسي لنقول أننا سعداء جدا بخروج ابراهيم القصاص من مرحلة الهواية الى الاحتراف رفقة زملائه الميامين، لكننا غير سعداء على الاطلاق ونحن نرى أنديتنا الكبرى التي تشكل «فترينة» الرياضة التونسية وهي تغرق شيئا فشيئا في المشاكل المادية وتعجز عن خلاص لاعبيها وتستجدي الجامعة ووزارة الرياضة وتنتظر عاجزة على باب سلط محلية وجهوية لا تملك ما تعطيه ونسأل بناء على ذلك... ألم يحن الوقت يا وزير الرياضة لنفض الغبار عن الملف المتعلق بتحويل الأندية الى شركات رياضية؟... ألم يحن الوقت لتقدم لنا أفكارا خلاقة تنهض بالكرة التونسية؟ أين أنت يا امبراطور؟