من العنوان والغلاف يضرب الشاعر موعدا مع الوضوح... الشعر موقف...والكتابة عمل انقلابي وصرخة من اجل اثبات الوجود ولا مجال للحياد.... وكالعادة كان عادل التليلي مصمم الغلاف في الموعد... الغلاف وضعنا مباشرة في صلب الموضوع : في مواجهة مباشرة مع الغربان والبوم وحفاري القبور وحطابي السماء... وإذا كان الشابي تمنى ان يكون حطابا ليهوي على الجذور اليابسة بفأسه فإن حطابي السماء ألغوا الملائكة وقطعوا الطريق عليهم ليصبح الخط السماوي الملائكي في اتجاه الارض مرتعا للمبشرين بالخريف الذي أوحت الشمس المتلبدة بالغيوم لبعضهم ان الربيع قادم...
سبع وثلاثون قصيدة تضمنتها المجموعة الجديدة لهادي دانيال لم يفقد خلالها ألق العبارة. ظل وفيا لشاعريته وفي البال بلد يحترق وأحبة وموطن وخلان وازقة ونخيل ونواعير ....
كيف وفق الشاعر بين السياسة ودهاليزها وعمق الافكار ومتطلبات اللغة الشعرية...؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي واجهه وهو يتأمل هجمة لا تبقي ولا تذر وغربانا تبشر بخريف ربيعي...او ربيع خريفي... سبح في جمالية اللغة لكن الاصبع لم يفارق الزناد والجفن لم يكحله نوم والحطابون على اسوار الحبيبة يحلمون بوليمة الاغتصاب؟ العاشق لا يبكي ...بل يبكي دما لا يبصره سوى العاشقون...ينزف لكن الجاهل يحسبه ثملا.... في هذه المجموعة يطالعنا هادي جديد متجدد ...باذخ في لغته احيانا لكنه يقرر ان ينزع الجبة فجاة متحزما : التفجير آت ... لا معنى للكلمات «فالذئاب قد ألفت لغة اللوائح» وعشقت نبرات النوائح...: «ويا أيها الشعب باسمك نذبح مثل الخراف ونشوى على حطب الاطلسي ونولم في عرس ذئب يضيف اخواننا من تحلق معظمهم قبل ان تنصب المائدة
...........................................
فابصقي وابصقي ابصقي يا بلادي شمالا جنوبا وشرقا وغربا الى ان تحاطي ببحر بصاق به يغرق الفقهاء من الاطلسيين حتى تعوم عمائمهم لن يجدوا قشة منجدة» ويصل هادي دانيال الى بيت القصيد : «هكذا وحيدا أتدلى من سقف حيرتي
...................................
في هذا الربيع الاسود كحبر كتبة فقهاء الاستقواء بالظلام على الضباب» ولعل قصيد «دمنا على سيف اللهب» من اهم القصائد المباشرة التي طفح من خلالها الغضب ...لم يعد اي معنى للتواري او اللف هذا الربيع العربي خريف سخيف تديره ازرار تعبث بعقول معطلة في مقاه تنفث الجهل وتجتر «غوغل»... أما في «القدس بوصلة الوجود» «والقدس يؤكل لحمها نيئا تسبى كنائسها وتصاغ من أجراسها خوذات جند العابرين
..................
تلوى ماذنها وتغل من صدا الفتاوى والفتن وتقد من دبر ومن قدام» وبعيدا عن المباشر: «قلبي على التراب والاعشاب والطيور والبشر وقلبكم حجر قلبي على الحجر...» ولا يغفل الشاعر عن حاجياته العاطفية يسأل قلبه: «كم تبقى من العشق في نبضاتك ؟» يأتيه الجواب بعد طول انتظار: «تبقى الذي سوف يكفي نساء حياتك» في المجموعة إشارات وتلميحات للبوطي وغليون والمسمار الذي يحفر لحم رجلي في حذائي وامنية بأن أظل عاشقا في هذه اللحظة للجذور والجذوع والاغصان والندى وشتان بين من يزرع الربيع وحطاب سماء يبشر بالغيوم ويحجب الشمس والاغنيات . ولا تغيب روح السخرية والدعابة عن المجموعة : «صدفة انفتح الباب عن رجل ستيني صرخ مغلقا الباب مذعورا جرذ.... فأيقنت ان جاري ليس من الثوار...» وكان الشاعر يحاكي فريد الاطرش نقرا له «اطرشية» «اكتب على ورق الشجر ان الحبيب إذا هجر ذبلت ثمار الصيف والجذع انكسر...» «خريف من اجل حطابي السماء» صرخة من أجل جذع اقسم على انتصار الحياة وافول الخريف واصنامه وبرهن على قدرة صاحبه على النزول الى اعماق المحيط دون اي يبتل بماء المباشراتية ...طارت الغربان تبشر بالخراب. وظل الشاعر يبني ويشدو مبشرا بالربيع.....