هناك من الأحداث والمستجدات التي عرفتها بلادنا مؤخراً ما يؤكد أن الفاعلين السياسيين ما زالوا يتعاطون مع الشأن العام ومآل عملية الانتقال الديمقراطي بمنطق المزاد بما فيه من مزايدة وتلاعب ومرات مغالطة وإشاعة وإيهام بعكس ما هو موجود. المعارضة ما تزال حبيسة الجراح التي خلفتها لها انتخابات 23 اكتوبر الفارط ولم تتمكن حد اللحظة من استجماع قواها وتوحيد صفوفها وتجاوز حالتها في التشتت والاضطراب والغموض التي لازمتها منذ قيام الثورة عندما تراءى لرموزها وبعض القوى الفاعلة فيها أن السلطة لقمة سائغة وسهلة المنال.
والسلطة القائمة ما تزال تتعثر في خطواتها في إدارة شؤون الدولة كما تقتضيه الأعراف والنواميس، ما يزال جل أعضاء الحكومة يتعاطون مع الملفات والقضايا بشكل فيه الكثير من «الهواية» بما في هذه الهواية من تراخ وتباطؤ وعدم جدية في الفعل وإلزامية في الحسم والقطع في العديد من الملفات الشائكة والمعقدة، وبما فيها أيضا من مخاطر الخلط بين الإدارة والحزب.
لا يزال البون شاسعا في الفعل السياسي لدى السلطة والمعارضة بين القول والفعل (بين الخطاب والممارسة) وهذا ما غذى مؤخّرا حرب الإشاعات وفتح «أسواق المزايدات أو المزادات السياسيّة» على مصراعيها ، فلا المعارضة على ما بات شبه مؤكّد قد اقتنعت بحقيقة ما حصل في البلاد من تغير وتوجه نحو تكريس مبدإ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع ولا شيء آخر دونها لذا فهي تُسبّحُ بحمد الأزمات والاعتصامات والإضرابات والمطبات الاجتماعيّة المختلفة وعثرات الأداء الحكومي وما يروّج من أخبار وتسريبات عن حال الساكنين في قصر قرطاج وعلاقتهم بحلفائهم في «الترويكا» وبقصر الحكومة بالقصبة.
ولا السلطة أيضاً حزمت أمرها وأخذت زمام تسيير البلاد بين يديها فبقيت مترددة متخوفة مضطربة غير قادرة على امتلاك إرادة سياسية واضحة وجليّة وقاطعة في التعاطي مع القضايا والملفات المطروحة بمنطق الدولة لا بمنطق الحساب الحزبي والسياسي ولا وفق تجاذبات المشهد السياسي وتغيراته المتسارعة والمتبدلة في كل لحظة وكل حين.
المعارضة في حاجة إلى تعديل أوتار مناهج عملها خاصة في ضرورة «هضم» الدور الحقيقي للفعل المعارض واستيعاب طرق الوصول إلى سدة الحكم ، والسلطة –في حاجة أيضاً- إلى فهم معاني إدارة الدولة وهيبة قرارها وواجبها في حفظ الأمن وتحسين مناخات العمل والاستثمار وتطبيق القانون.
السلطة ليست لعبة لتكتيكات وحسابات ضيّقة والمعارضة أيضاً ليست لعبة للتسلية والإثارة وبث الاشاعات المغرضة ولذلك لا بد لكليهما أن يغادرا منطق «المزاد السياسي» والتحلي بالجدية وروح المسؤولية العالية.