تحتل روايات يوسف القعيد مكانة خاصة في الحركة الأدبية، فإضافة إلى الزخم الذي تزخر به رواياته من شخصيات وأحداث، فإن روايات القعيد تعكس وباستمرار المتغير الاجتماعي الذي تشهده مصر على مر الحقب. نرى ذلك في «يحدث في مصر الآن» و»الحرب في بر مصر» وغيرهما من الروايات. ويصب في ذلك ويتفرع عنه عمله الصحافي الذي أغنى رؤية القعيد للمجتمع وتعامل عن قرب مع هذا المجتمع الذي ظل يكتب عنه صحافيا وروائيا. جريدة «الخليج» الاماراتية أجرت مع الروائي يوسف القعيد حوارا مطولا، اقتطفنا منه هذه المقاطع. * كتبت رواية «قطار الصعيد» منذ أكثر من عشرين عاما، لماذا تأخرت في إصدار هذه الرواية؟ أنا أحد أبناء الوجه البحري، وكان الصعيد يمثل بالنسبة لي ذلك العالم الآخر من مصر. وفي عام 1979 أتيحت لي زيارة إلى الصعيد، كتبت بعدها نصا ترددت وقتها في نشره، لأنني أرى أنه للكتابة عن الصعيد لا يكفي أن تكون زائرا لكن لا بد أن تكون جزءا منه. لكنني نظرت أخيرا في هذا النص القديم ووجدت فيه أشياء مدهشة وجميلة، فقررت نشره رغم أنه سيفتح علىّ أبواب جهنم، لأن النص الروائي تحديدا لا بد أن يخرج من أرضية معايشة.. ورحلتي للصعيد من الصعب أن تكون المعايشة التي تخرج منها رواية، إنما أعتقد أنه كانت هناك صورة تذكارية مهمة للصعيد في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي. رحلتي للصعيد كانت في إطار عملي الصحافي للتحقيق في جريمة، ووجدت أن الجريمة تسلمني إلى جريمة أخرى وثانية وثالثة. ووجدت فرن الصعيد يلتهب في روايتي، ومازالت كل عناصرها موجودة حتى الآن على أرض الواقع، ما جعلني أتسلح بالشجاعة وأقرر نشر النص لأرى ردة الفعل. * هل تتفق مع الرأي القائل إن الرواية أصبحت «ديوان العرب»؟ نعم، تكاد الرواية تكون الأكثر انتشارا وقراءة وتأثيرا في مصر والوطن العربي، وأنا مع الرأي القائل إن الرواية باتت «ديوان العرب» وإننا نعيش عصر الرواية، على الرغم من أن علماء اجتماع الأدب، وعلى رأسهم لوكاتش يقولون إن الرواية لا تزدهر إلا في فترات الاستقرار الاجتماعي، فيما كان للنصف الثاني من القرن العشرين وحتى الآن مراحل اضطراب اجتماعي وليس فيها استقرار وحدثت فيها أشياء مخيفة، ورغم هذا الاضطراب الاجتماعي كانت الرواية مزدهرة. أهم كتاب العالم حاليا روائيون، في أمريكا الشمالية وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ومن الصعب ذكر اسم شاعر مهم، حتى جائزة نوبل رغم تحفظاتي على مقاييس اختيار الفائزين بها نجد أن معظم الفائزين بها طوال السنوات العشرين السابقة روائيون. وفي رأيي ان هذا زمن الرواية ويتجلى ذلك كثيرا في مصر وأقل في بقية دول الوطن العربي. * على مستوى الشكل، إلى أين تتجه الرواية العربية؟ الكتابة كلها تتجه الآن إلى كتابة النص الذي يجمع بين الشعر والقصة القصيرة والمسرح والتأملات ونثر الحياة اليومية، وما يكتب في الصحف من أخبار، فنحن نتجه حاليا إلى كتابة النص الذي يضم كل الأنواع التي عرفتها البشرية منذ أيام الملاحم مثل الالياذة والأوديسا وألف ليلة وليلة وصولا إلى العصر الحالي، فكل الأنواع الأدبية التي عرفناها في الماضي ستندمج في نص أدبي واحد.