كيف يمارس الفاعلون السياسيون سواء في الحكم أو في المعارضة عملهم وكيف يبنون مواقفهم وتصوراتهم؟ هل يعتمدون إستراتيجية واضحة ومنهجية محدّدة أم يستسلمون لقضايا اليومي وللاعتبارات الحزبية لبناء مواقفهم وتحديد توجهاتهم؟ تبدو مواقف بعض السياسيين، وفق بعض القراءات اليوم مرتبطة بشكل كبير بموقع كل طرف على الساحة، بمعنى أنّ المعارضة تبني مواقفها على أساس نقد ما يقدّمه الفريق الحاكم، في حين تعمل الأطراف الحاكمة على التقليل من شأن ما تقدّمه المعارضة وتضعه في خانة المساعي الرامية إلى عرقلة عمل الحكومة.
لكن هذه القاعدة لا يمكن تعميمها لأنّ للأحزاب برامج من المفترض أن يتم التقيّد بها وتنفيذها ولها خط ومنهج محدّد يعبّر عن توجّهها ومواقفها المبدئية من القضايا الكبرى، أمّا الطارئ من القضايا فينبغي معالجته وفقا لما يرى فيه كلّ طرف مصلحة للبلاد قبل كلّ شيء.
برامج... وتفاعلات
وقال رئيس الدائرة السياسية لحركة النهضة عامر العريّض «إنّ للحركة مؤسسات ولجان تعمل على ضبط برنامج الحركة وتوجهاتها، مثل الهيئة التأسيسية والمكتب التنفيذي والدائرة السياسية، وهذه المؤسسات تقوم بتحليل الأوضاع وإعداد البرامج السياسية وترتيب الأولويات التي يتطلّبها الوضع، وهي بذلك تتفاعل مع بقية مكونات المجتمع، ومنها المجتمع المدني وما يُنشر في الإعلام».
وأضاف العريّض «نحن نعدّ مواقفنا انطلاقا من مبادئ وأهداف نعمل على تحقيقها وهي أساسا أهداف الثورة، وكذلك من الواقع وما يحدث من مشاكل في البلاد بمعنى أنّ الحركة تتفاعل مع الواقع» مشيرا إلى أنّ هناك أحزابا في الساحة اليوم ليس لها من برامج سوى آلية واحدة وهي ردّ الفعل، وهذا النوع من الاحزاب لا مبرّر لوجوده، في حين أن هناك أحزابا وطنية لها برامج وأطروحات نتفاعل معها ونناقش ونختلف مع البعض ونلتقي مع البعض الآخر».
أمّا عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري عصام الشابي فأكّد أنّ «المواقف السياسية للحزب نبنيها وفقا للخط العام للحزب الذي يرسمه المؤتمر ولوائحه التي يتقيّد بها الحزب وهذا يتنزّل حسب خصوصية كلّ ملف يُطرح وحسب التطورات التي تشهدها البلاد».
وقال الشابي «كل مقترحاتنا ومواقفنا السياسية تسير وفق نهج سياسي محدّد وهي تتفاعل مع الواقع، فحزبنا ليس جامدا ولديه من المرونة والبراغماتية ما يجعله قادرا على الفعل ولا نعمل على أن نُخضع الواقع المادي والسياسي لمواقفنا السابقة».
وأوضح الشابي أنّ مواقف الحزب تُتّخذ انطلاقا من عنصرين هما المنهجية وقراءتنا للواقع وما يتطلّبه ذلك الواقع بمعنى أنه إذا كان التفاعل يقتضي التغيير جزئيا في مواقف الحزب فلا نتردّد في ذلك، فموقف الحزب ليس جامدا ينطلق من مسلّمات عقائدية جاهزة، بل لنا منهج ومواقف ثابتة وفي نفس الوقت هو حزب عملي براغماتي يتفاعل مع المتغيرات ولا يرى حرجا في اتخاذ موقف يتماشى وطبيعة الملف أو المرحلة وإن بدا مختلفا مع مواقف سابقة».
وأكّد الشابي أنّ «المعارضة لا تعني أنّنا نقول لا لكل المواقف التي يأتيها الفريق الحاكم، بل نتعاطى مع مواقفه وقراراته وفق استجابتها لحاجات البلاد وما نراه ضروريا لإنجاح المرحلة الانتقالية.
استراتيجية الانتخابات
ورأى الناشط الحقوقي والمحلل السياسي محسن مرزوق أنّ الفعل السياسي في تونس اليوم بشكل عام محكوم بردود الأفعال، وحتى الأطراف التي لها استراتيجية فهي لا تخرج عن سياق ردّ الفعل.
وأوضح مرزوق انه «بالنسبة إلى الترويكا من الواضح أنه ليست هناك استراتيجية تحكمها باستثناء تقاسم السلطة وبرنامج الحكومة، لأنه ليست لديها وثيقة تحدّد استراتيجيتها وأهدافها ومبادئها وقد يكون الاختلاف فقط حول بعض التفاصيل في الدستور الجديد».
واعتبر مرزوق أنّ حركة «النهضة» هي الوحيدة على ما يبدو التي تملك استراتيجية واضحة لكن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر لأنها قائمة على دافع الخوف من المستقبل، وقد عبّر هذا الخوف عن نفسه بالاستحواذ وهذا ما نراه في التعيينات وكل أشكال الاستحواذ على مناصب الدولة حتى تصل الحركة إلى الانتخابات في وضع يمكّنها من كسبها بكل الطرق، أي في وضع التمكّن من مفاصل الدولة كاملة واستعمالها لأغراض انتخابية.
وأضاف مرزوق أن استراتيجية الرئيس المنصف المرزوقي هي ترضية كل الأطراف وخلق نوع من الشبكات والخطاب الشعبوي حوله للتقدّم إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما تقوم استراتيجية بن جعفر على عدم إغضاب حركة النهضة وبعض التونسيين حتى يجد طريقا يضمن له مصالحه في الانتخابات المقبلة، ملخّصا بالقول إن ما يحكم استراتيجية الترويكا هي الانتخابات.
وحسب مرزوق فإن المعارضة إذا تمكّنت من أن تتوحّد على أرضية مشتركة وأن تخلق طرفا سياسيا قويا وأن تكون لديها رؤية واضحة لتحالفاتها سيكون بإمكانها أن تصنع الاستراتيجية، وخلص مرزوق إلى القول إن «التشكيل السياسي في تونس لا يزال يبحث عن نفسه ولا تحكمه استراتيجيات محدّدة ولم نر حتى الآن طموحات الشعب التونسي مجسّمة لدى أي من الطرفين».