عاد موضوع التطبيع ليقسم النخبة السياسية والمثقفة بين دعاة تجريم التطبيع ودسترة هذا التوجه وبين الذين يسبحون ضد هذا التيار ويهرولون للتعامل مع الكيان الصهيوني وأنصاره تحت يافطات متعددة أبرزها حوار الثقافات والأديان وغيرها من التبريرات التي لا تقنع. الأيام الماضية شهدت تحرك منهاضي التطبيع بقوة بعد تحول نادية الفاني المخرجة التونسية المثيرة للجدل إلى إسرائيل لعرض فيلمها وعقد ندوة هناك، وهو تحرك تناولته عديد وسائل الإعلام ومواقع الاتصال الاجتماعي التي أثارت أيضا موضوع عرض العلم الإسرائيلي ضمن كليب صابر الرباعي «يا عسل» وهو ما نفاه الفنان مؤكدا أن واقعة رفع العلم الإسرائيلي على القارب الذي ظهر بالكليب لا أساس لها من الصحة ولا تمت للواقع بصلة واعتبر أن الهدف من ذلك هو تشويه صورته مع اقتراب موسم المهرجانات. الكليب تم تصويره في لبنان تحت ادارة المخرج اللبناني فادي حداد.
مثقفون وجامعيون متهمون
التطبيع فعل التصق أيضا بمثقفين وجامعيين ومنهم الحبيب الكزدغلي عميد كلية الاداب بمنوبة وغيره من الجامعيين أعضاء اتحاد الجغرافيين وبعض الاعلاميين ومنهم خميس الخياطي الذي لم ينف ذلك بل برره مضيفا في حديث صحفي «نعم زرت إسرائيل وليشربوا البحر...» ولم ينج من تهمة التطبيع بعض السياسيين البارزين وفي طليعتهم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي نسب إليه اعطاء تصريح لجريدة إسرائيلية على هامش منتدى دافوس في جانفي الماضي وهو على علم بذلك.
فنانون في قفص الاتهام
ويتذكّر التونسيون الحملة التي شنّتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام على عدد من الفنانين التونسيين الذين اتهموا بالغناء في مدينة «أيلات» ومنهم محسن الشريف الذي هتف بحياة «ناتنياهو» وعبد الوهاب الحناشي ونورالدين الكحلاوي وغيرهم.
وفي انتظار الانتهاء من صياغة الدستور يتساءل التونسيون هل سيتم تضمين تجريم التطبيع في أحد فصوله؟ رغم أن أهل القانون والسياسة يؤكّدون أن الدستور لا يهتم بالتفاصيل بل بالخيارات الاساسية الكبرى لكنه لا يستبعد أن يتم ادراج مسألة نصرة القضية الفلسطينية ورفض التعامل مع الكيان الصهيوني ضمن توطئة الدستور التي قد يكون تم الانتهاء من صياغتها.
وقد رفض وزير الخارجية رفيق عبد السلام فكرة تخصيص بند في الدستور التونسي ينصّ على تجريم التطبيع مشيرا الى أن الحكومة لن تقيم علاقات مع «اسرائيل».
وقد تظاهر عدد من التونسيين في مناسبات فارطة أمام مقرّ المجلس التأسيسي للمطالبة بتضمين الدستور الجديد للبلاد بندا ينص صراحة على تجريم كل أشكال التطبيع مع «اسرائيل».
وتهدف المظاهرة التي نظّمت تحت شعار «تجريم التطبيع مسؤولية الجميع» الى الضغط على نواب المجلس لرفض التطبيع مع «اسرائيل» بكل أشكاله. وشاركت فيها مجموعة من المنظّمات والجمعيات منها الرابطة التونسية للتسامح والجمعية التونسية لدعم فلسطين و«الرابطة الدولية للدفاع عن الشعب العربي» والهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية وهو ما يؤكد اهتمام الجمعيات والمنظّمات والمجتمع المدني بمسألة التطبيع كما أن وثيقة العهد الجمهوري الصادرة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي خلال شهر جوان 2011 تضمّنت بندا ينصّ على التصدّي لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.
دسترة تجريم التطبيع
ويشار الى أن تونس لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل لكنهما تبادلتا سنة 1996 فتح مكتبين لرعاية المصالح وعينت كل منهما مندوبا دائما لدى الأخرى وقد أغلقت السلطات التونسية المكتب خلال شهر أكتوبر من سنة 2000 احتجاجا على قمع السلطات الاسرائيلية للانتفاضة الفلسطينية.
وقد طالبت الهيئة الوطنية التونسية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية بتجريم التطبيع مع «اسرائيل» ضمن نص الدستور الجديد وفي القانون الجزائي. وأكدت الهيئة ان تجريم التطبيع وتجريم كل من تثبت علاقته بالكيان الصهيوني هو واجب وطني.
وقد شهدت البلاد في الايام الأخيرة احداث شغب وعنف حول بعض اللوحات الفنية المعروضة في العبدلية والتي رأي فيها البعض مسّا من المقدّسات وهبّوا لنصرة الرسول الكريم بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والضرب والنهب والحرق خارقين للقانون منصّبين أنفسهم حمادة للدين.
هذا المشهد الذي يعدّ غريبا على مجتمعنا يفتح ملفا جديدا للنقاش وهو التطرف الديني الذي لا يقل أهمية عن موضوع التطبيع والذي أصبح هو الآخر محل نقاش في الشارع التونسي فأي مخاطر يواجهها المجتمع التونسي اليوم في ظل بروز هذا المصطلح الجديد؟